التأمل هو معراج الروح من وحل الضلالة، يهدي به من حُمق التَيه إلى اعتلاء الرشد والحكمة، ومن تخبط النفس إلى السكون والطمأنينة.. ما كان التأمل إلا وسيلة للبحث عن المعبود بحق، أصل هذه الروح وقرارها.. انظروا، تأملوا، سيروا، أفلا تعقلون!

لنرى أول فصول حياة الأنبياء والرسل قضوها متأملين، معتكفين، رعاة غنم، يبصرون هنا، وهنا يتفكرون، يطلقون سراح تدبرهم في هذه الأرض، وفي فسحة الفضاء، في غروب الشمس ودورانها في الفلك، وعودتها إلى أصل مشرقها، بلا كلل ولا تأخير تناثر النجوم ودقة توزيعها، تواضع الأرض في قاع الوديان وشموخها في نفور قممها وجبالها، في البهائم عشائرها وأممها، في الآفاق!

وفي أنفسهم لعلهم يهتدون.. ما كان التأمل إلا أولى خطوات الوقوف والعودة إلى الحق، جل وتعالى، وركود النفس عن اللهث خلف سراب الدنيا.

تأمل سَير الأقدار ودقتها، تأمل تعاقب الأمم وفناءها، تأمل مسيرك في الحياة كيف لا يخطئ إلى أجلك، تأمل وفاء الله لعهود الصادقين وإن طال بهم العهد، ليس المراد بالتأمل معرفة وجود الله من عدمها، بل بمدى معرفة الله.. من خلال أقداره، من خلال لطفه ورحمته وهناء معيته، وانتظاره عودة عبده إلى طريقه إليه بحلمٍ و رأفة.

ما كان التأمل إلا تكبيرًا صامتًا لله، ليتفاقم امتداده في الروح، وتزداد معيته في خلجات النفس وحديثها.. لن تعرف الله ما دمت شاخصًا ببصرك إلى الحياة دون تبصّر، مصمًا أذنيك عن سماع نداء روحك، ولن ترى إلا ما ترى..

ما كان التأمل إلا تقوية وتمرينًا لنشاط عين القلب، لن يرى قلبك بوضوح من عينٍ قصيرة مدى الرؤية، يكاد العمى يغلبها..

وتذكر أنك رغم إبصارك.. لست بغنى عن البصيرة.