بعد قرابة العام من ظهور وباء كورونا، علينا أن نسأل أنفسنا هل حقيقة تعرفنا عليه؟ هل فهمناه حق فهمه، أم لديه وجه آخر لم نعرفه بعد؟

وجه لا يعترف بما قبل وما بعد، وجه الزمان وحده كفيل بكشفه، فالزمان كفيل بكشف كل الحقائق ما علمنا منها وما لم نعلم. جائحة كورونا التي جعلت كل من ليس له اختصاص مختصا، فكل الناس تقرأ عنها، الجميع يتابع تطور الفيروس وسلوكياته، يا له من وباء سيئ الطبع!

أرعب الناس وأقض مضاجعهم، أنهك خزائن العالم ولاعبهم لعبة الشطرنج وضرب بالقوانين عُرض الحائط. حينما يُصاب شخص بالفيروس عليه أن يمضي ما شاء الله في عزلة عن الآخرين، هو والفيروس ولطف الله يحيط به من كل جانب، يستمر الوضع ما بين شد وجذب حتى يأتي أمر الله إمَّا الشفاء أو الموت.

الشفاء الكلمة التي لا نعرف معناها تماماً، فهل لملم الفيروس كل جزيئاته وعناصره وغادر، أم أبقى جزيئاً متمرداً أصر على البقاء أو ربما صبغة جينية سكنت خلية حية وأبت أن تغادر، بالفعل هذا ما نسمعه ونراه في حالات مسجلة عالمية، تتعافى الأبدان وتبقى بعض الآثار، فهناك من لم ترجع له حاسة الشم والتذوق بعد التعافي ففقد لذة الطعم، حينما أصابه الفيروس اختار أن يترك علامة فارقة لديه، واختار في البعض الآخر أن يؤثر في ذاكرتهم ربما ليمسح سيرته من ذاكرتهم فيُنسى ليتسلل إليهم من جديد، وأوهن أجساد البعض ليمضوا فترة طويلة بعد رحيله يتعوذون منه كلما شعروا بضعفهم، أو يأبى الفيروس إلا أن يترك لهم الأرق والاكتئاب واضطرابات النوم وكأنه كابوس يأبى أن يرحل.

ليست حكاية بل حقيقة حسب منشورات منظمة الصحة العالمية والتي أثبتت إحصائيتها أن بعض المتعافين من الوباء ما زالوا يعانون من بعض الأعراض، وكأن ذاكرة الفيروس لم تنس أجسادهم فبقي بين الحين والآخر يثير الوجع فيها.

ولو عدنا لمتلازمة الضائقة التنفسية الحادة (سارس) التي حدثت في عام 2003م وكان سببها الفيروس التاجي أيضاً، فإن الإحصائيات تقول إن 40% من المتعافين عانوا من أعراض الإجهاد والوهن وآلام الجسد حتى بعد مرور ثلاث سنوات ونصف السنة من المرض، والممارسين الصحيين كانت لديهم الأعراض أكثر وطأة من غيرهم من المتعافين.

وحينما تطالعنا الإحصائيات، نجد أن المتعافين من كوفيد 19 ما زالوا يعانون من بقاء بعض الأعراض كالصداع وآلام الجسد وضيق التنفس، أو نقصان في الذاكرة وكأنها القصة ذاتها، الفيروس يبقى في ذاكرة الجسد لوقت أطول وبعض الأعراض تستمر حتى لدى اليافعين والأصحاء وما زال غير معروف لماذا وكيف! فيروس كورونا ارتدى القناع هو أيضاً وأصبحت الحرب من خلف الأقنعة، فهي الأكثر أماناً، ولكن في معرفته أمانا أكبر فمن عرف عدوه سلم.

التجارب التي سكنت أنابيب المختبرات منذ شهور تمخضت فأنتجت لنا اللقاح، السلاح الذي سيطرح الفيروس أرضاً، فيخلو لنا وجه الحياة، ولكن هل هنا انتهت الحكاية؟

هل سنرويها يوماً بكان يا مكان؟

لا أعتقد، أننا صنعنا من اللقاح إما نكتة نتداولها، أو قصص رعب ننشرها، فالساخرون قالوا إن اللقاح يلعب في إعدادات الإنسان وكأنه روبوت ويغير شفرته الجينية! لم ترق لي الفكرة!

ربما مجرد فكرة ساخرة! وكتب عنه البعض أنه خطير لمجرد إيمانهم بمبدأ المؤامرة، الفكرة الأكثر رعباً لا يمكن صياغتها بهيئة نص مقروء، ربما لا تمثلها سوى صرخة هلع وخوف، فكل الشبهات التي يتم ترويجها حول اللقاح هي أمور سابقة لوقتها وأحكام تنقصها الرويّة!

الأيام وحدها تثبت ذلك أو تنفيه، ويبقى اللقاح هو الخيار الأفضل أمام البعض، بينما يختار الآخرون الترقب عن بعد ولسان حالهم يقول:

تعددت الأسباب والموت واحد، ولكل فرد خياراته، وله حرية القرار، وكل إنسان على نفسه بصير. @seniordoctor