التفاؤل والآمال التي سرت منذ أيام في أجواء الخليج أمورٌ محمودة، وصورٌ بعثت الفرح بلا أدنى شك في نفوس الجميع.

يمكن أن تكون الظروف السياسية في المنطقة عاملًا مُساعدًا في إنهاء الخصومة، لتصبح ملفا من الماضي. وقد يكون الملل قد أصاب أطرافًا من المجتمعات المحرومة من بعضها بعضًا قبل السياسة التي تملك النَفَس وأدوات المناورة، لذا كان الاستبشار طاغيا، وقاد لعدم التفكير نوعا ما، ومنح العاطفة الفرصة الأكبر.

بعيدا عن العاطفة، قد يجد شخصٌ، لا يُمكن له الخروج من أزقة السياسة وأروقتها، نفسه أسيرا لسؤال أو أسئلة: ما الثمن؟ وما المقابل؟ .

التفاؤل دون تردد شعورٌ جميل، لكن الالتزام بالأدبيات، وعدم الخروج عن نص الأخلاقيات التي تفترضها الشخصية الخليجية، ومراعاة الحقوق الموضوعة على الطاولة أجمل بكثير، بل يبعث في النفس أكثر من التفاؤل والآمال، وهو التعايش والانسجام من النواحي السياسية والاقتصادية وقبلها الاجتماعية، إذا نظرنا إلى النسيج الخليجي الاجتماعي المترابط بصرف النظر عن الحدود الرسمية.

أتصور أن العاطفة طغت في الأيام القليلة الماضية عقب إعلان وزير الخارجية الكويتي، أحمد ناصر الصباح، في بيانٍ قال فيه: «الدول – أي السعودية وقطر – مستعدة لإنهاء خلافاتهما، والأطراف جميعها حريصة على التضامن والاستقرار الخليجي والعربي». قال الوزير تصريحاته وصوبت الأنظار الى الرياض، واستوجب ذلك ردا بالضرورة أن يكون ذا طابعٍ رسمي، لذا خرج حينها وزير الخارجية، الأمير فيصل بن فرحان، الذي لم يُخفِ تفاؤله، وشكر دولة الكويت، لتقريب وجهات النظر حيال الأزمة الخليجية، والجهود الأمريكية، وتطلع لأن تكلل تلك الجهود لما فيه مصلحة وخير المنطقة.

ما سبق من تصريحات رسمية، حتى وإن كانت جديدة من نوعها على صعيد الأزمة الخليجية التي أمضت أكثر من ثلاث سنوات، وحتى وإن كانت هناك جهود ترمي للمصالحة مثمرة – وهذه عمليا لم تتجاوز الحديث أو الإشارات والأمنيات حتى الآن – فلا بد من العودة خطوة إلى الوراء، للبحث في الشروط التي وضعتها دول الرباعية.

ثمة انجرار شعبي كبير وراء العواطف، وهذا في السياسة لا يؤدي إلى حلول، ولا يُقلص حجم اتساع الخلاف الذي بات مساحة خصبة لتعميق جراح الأخوة عبر كثيرٍ ممن لا لهم لا ناقة ولا جمل في مصالح شعوب الخليج، وهنا أقصد العاملين في قناة «الجزيرة» من «الهجين والعرب المستعربة» الذين أسهموا في زيادة نقاط الفُرقة والخلاف. وبالنظر للشروط الثلاثة عشر فسنجدها مؤهلة لأن تكون طلبات لا يمكن التنازل عنها أو عن بعضها، لكن قبل ذلك أود الحديث عن الإيجابيات التي استفادت منها الدوحة وأطراف أخرى جراء مقاطعة دول الرباعية لها.

فبعد المقاطعة، وافقت قطر على توقيع اتفاقية مع واشنطن حول تمويل الإرهاب، وهي التي طالما رفضت توقيعها على مدى سنين أو الإنصات لمن دعوها لأخذ هذا المنحى، لتجنب إشارات دعم الجماعات المتطرفة قولا وعملا. وبعد المقاطعة، سمحت الدوحة لمسؤولين أمريكيين بمراقبة البنوك القطرية، على الأقل للوصول إلى واقعٍ ملموس ينافي الاتهامات الموجهة لها بدعم «داعش» و«جبهة النصرة» و«الحشد الشعبي» و«القاعدة»، و«الإخوان المسلمين» الموضوعة في الدول الأربع على قوائم الإرهاب، ومعها «حزب الله».

وبعد المقاطعة أيضا، قلصت قطر دعمها لجهات متطرفة في سورية، ولمس العالم تقهقر تلك الجماعات، وعودتها خطوات إلى الوراء، ما قاد أردوغان لاستخدامها في ليبيا وأذربيجان. وبعد المقاطعة، في الأزمة الليبية، أوقفت دعم بعض الأطراف المتناحرة، ووصل الليبيون لتفاهمات لولا دخول «العصملي» على خط الأزمة، ودفعه الأطراف للتناحر من جديد. وبعد المقاطعة، أعادت حركة «حماس» الإرهابية، التي تحتل قطاع غزة، مسؤولية القطاع إلى السلطة الفلسطينية في «رام الله»، بعد أن خففت قطر من الدعم الذي تقدمه لها.

أعود للحديث عن الشروط في نظري البسيط - ألا بند منها قابل للتنازل أو حتى للتفاوض. سنأخذ أبرزها ونتحدث عنه بلغة أكثر سلاسة، فمثلا شرط «وقف دعم الإرهاب وإيواء المجرمين المطلوبين»، كيف يمكن التنازل عن عمق هذا الشرط؟ هل من الممكن السماح لطرفٍ مُتهم بهذا الأمر بأن يدعم أعدادا قليلة أو محدودة من الإرهابيين أو المجرمين، للتخفيف من هذا المطلب الذي يتمتع بنوعٍ من الصلابة؟!. وماذا عن شرط «عدم توفير منصات إعلامية تدعمها قطر لمهاجمة دول المنطقة وبث الكراهية، أو استضافة من يُبرر العمليات الانتحارية أو السيارات المفخخة مثل يوسف القرضاوي، الذي كان ضيفا دائما على قناة الجزيرة»؟.

هل يُعقل من باب القفز على هذا الشرط أن يُصار إلى اتفاق على استضافة المذكور إذا استدعت الأمور؟ بمعنى أن يستضاف ليُبرر للإرهاب عند الحاجة!.

وما هو السبيل لتخفيف شرط عدم إيواء مطلوبين دوليا للعدالة من الإرهابيين المجرمين؟. هل يُمكن أن يُسمح لقطر باستضافة مئة ممن تمت استضافتهم أو احتواؤهم في الدوحة، ويبلغ عددهم ألف شخص، من باب تخفيف الشرط، للقبول بأي شكلٍ من أشكال المصالحة؟!.

أتصور أن الأمر واضح منذ سنوات، ومرهونٌ بتغيير سلوكيات وسياسات الدولة التي تمت مقاطعتها، وتصحيح الأخطاء التي مارستها منذ عقود في حق دول الخليج ومصر، وإلا كل ما يمكن الحديث عنه هو مجرد أمنيات وعواطف. الفاتورة بحاجةٍ إلى دافعها، ومن ثم إمعان النظر في الرياض، فلا مناص عنها، قولا واحدا، وإلى اللقاء.