لطالما اعتبر العمل التطوعي إحدى الركائز الأساسية للمجتمعات الحديثة، التي تنشد التنمية الشاملة، بل إنه إحدى العلامات التي يقاس من خلالها مدى الرقي والتطور، كما أنه رمز للتكافل والتكاتف، والإيثار والتعاون بين أفراد المجتمع بمختلف مؤسساته، ولا شك أن آثاره الإيجابية تبدو جلية للعيان، دون الحاجة للمزيد من تسليط الضوء عليها، فمنفعته لها أبعاد مختلفة لا يمكن حصرها، سواء في حياة الفرد أو الأسرة أو المجتمع أو الوطن.

قبل أيام احتفل العالم بذكرى اليوم الدولي للتطوع، والذي أقرته الأمم المتحدة في الخامس من شهر ديسمبر من كل عام، تكريماً للعمل التطوعي والمتطوعين، ودعما لدورهم في تحقيق التنمية الشاملة في مجتمعاتهم.

والإسلام قد سبق كل النظريات والمفاهيم والفلسفات، في بيان أهمية العمل التطوعي، فدعا له وأمر العباد بأدائه، وبشّر من يقوم بذلك بعظيم الأجر والثواب، باعتباره إحدى الشعائر الإيمانية، التي ترسّخ مبدأ التكافل والأخوة الصادقة، وخدمة الإنسان لأخيه الإنسان.

الحديث عن العمل التطوعي في المملكة ليس بحديث العهد، فقد ارتبط باسم هذا المجتمع الخيّر، منذ عهد المؤسس طيب الله ثراه فبدأ بجهود فردية ثم أسرية وقبلية، ثم نحا منحى مؤسسيا يقوم على التخطيط والتنظيم، والأخذ بالأساليب العلمية التي تكفل له المعاصرة ومواكبة المستجدات العالمية. ولا شك قيادتنا الحكيمة ممثلة في خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وسمو ولي عهده الأمين حفظهما الله، قد أدركت ببصيرتها النافذة وفكرها الواعي، أهمية التطوع، فجعلته أحد أهداف رؤية المملكة 2030 التي تطمح لتطوير العمل التطوعي، ورفع عدد المتطوعين إلى مليون متطوع.. وما إنشاء مركز الملك سلمان للإغاثة إلا دلالة على احترافية العمل التطوعي الخيري عندنا، وفي ظل الظــروف الاستثنائية التي يشهدها العالم بشكل عـام، والمملكة بشــكل خاص جراء انتشــار جائحة كورونا المستجد، آتت الجهود التطوعية التي سخرت لمواجهة جائحة كورونا ثمارها، وكلنـا فخـر بتلـك الجهـود المبذولة والمتنوعة، في مساعدة ومساندة جهود الدولة، وبتلـك التكامليـة الوطنيـة مـع كافة الجهــات والمؤسسات الحكوميـة علـى مسـتوى الوطـن في التعامـل مـع الظـروف الراهنـة والتلاحم والتكاتف لمواجهة هذا الوباء، والحد من انتشاره بكل روح فاعلة تنم عن المواطنة والمسؤولية، وهو ما عكسته بيانات منصة العمل التطوعي، التي تظهر عدد المتطوعين وعدد الساعات التطوعية، وعدد الفرص التطوعية التي تمت والجهات التي تم التطوع فيها، مما يجعلنا نفرح بشبابنا وبالجهد المقدم من خلالهم أجرا واحتسابا، ونفرح بأن هناك جهة تحتضن كل هذا، وترعاه كما يجب وتنميه وتطوره.

ورغبة في إضفاء قيم التطوع في مجتمعنا، وغرس ثماره في النشء، نتمنى لو تم تفعيل ساعات التطوع لتكون قيمة إضافية للشاب والفتاة، تساعده في التقديم للجامعات، وتشفع له تقصيره في الحضور والغياب، وتمنحه درجات تفوق عند التقدم للوظيفة، وممكن استخدامها لرفع مخالفات صغيرة عليه وإعفائه من التزامات معينة، وتقديم خصومات له في السفر والطيران، وما إلى ذلك من أفكار تساهم في تعزيز حضور التطوع في مجتمعاتنا.

أيضا نحن بحاجة لمتطوعين يملكون ثقافة متقدمة، لأجل المشاركات في برامج الحوار مع الثقافات الأخرى، وتقديم الصورة الحضارية عن مجتمعنا ومقوماته في كل الاتجاهات.. ومهم أن نفعل التطوع في الأحياء، فنهتم لبعضنا ونتفقد أحوالنا ونداوي الجراح ببلسم التطوع الصادق.

مهم جدا أن نحافظ على التطوع كقيمة روحية، وليس كشيء ملزم، نريده ينبع من خلال النفس وليس من شيء آخر، ولا لأهداف تحيد به عن بياضه وروحه الطاهرة، كلنا لمس مع أبنائه وبناته كيف تغيرت أشياء كثيرة لديهم، من خلال العمل التطوعي وكيف أن بيئة التطوع خلقت فيهم حراكا مختلفا، ومنحتهم خبرات متعددة ساهمت في صناعة جيل الرؤية، الجيل القادر على الإبداع والإمتاع.

التطوع رقي أخلاقي وتكافل اجتماعي ونماء مجتمعي، إن تعاملنا معه كأفراد وجماعات ومؤسسات بما يليق به، عاد علينا بنفع يليق بنا يضاف إلى نياشين التميز والفخر الكثيرة والمتعددة، التي تزين صدر هذا الوطن الغالي بقيادته وشعبه.