في رحلة الرازي إلى نيسابور، تجمع الناس حوله لينهلوا من علمه، فسألت سيدة عجوز من هذا الذي يتهافت الناس حوله؟

فقالوا هذا الرازي، الذي جمع ألف دليل على وجود الله

فردت فقالت: لو لم يكن في قلبه ألف شك ما احتاج ألف دليل !

فلما بلغه قولها رد: اللهم إيماناً كإيمان العجائز.

قصة الرازي في نيسابور ليست إلا قصة الإيمان الحقيقي، ماذا يضرها لو كانت لاتعرف ألف دليل على وجود الله، وكل نبض من شرايينها يعرف ذلك، وكل كسرةٍ من عظامها تؤمن بذلك، وكل الهواء الذي تستنشقه رئتاها، تعرف ذلك والطير والماء والأنهار كلها تسبح بحمده وتعرف ذلك.

دون فلسفة ودون تعقيد... دين الله الواضح على الفطرة السليمة، لو لم يمنح الله البشر الحرية لما أقام عليهم الحجة.

لو تُرك الإنسان لنفسه، لاختار الله لأنها الفطرة، ولأنها الحقيقة، ولأنها أصل الحرية، وهي تجرد من عبودية البشر، هي عدم الخوف من البشر، ما استقبحوه وما استحسنوه، تبعاً لما يظنون أنه صحيح.

البساطة والتباسط في مخاطبة العامة، والنزول والتواضع لمستويات فهمهم، لا يزيد العَالِمَ إلا رفعة وقدراً.

روي عن عمر بن الخطاب أنه دعا أن يرزقه الله إيماناً كإيمان العجائز، فلم يقل العلماء ولا الفقهاء، لا لقصور فيهم، ولكن لأن العَالِم دائماً متشكك، وهذا أصل في التعلم، الشك والتساؤل.

في حين دين العجائز سهل ويسير وبلا تعقيد، صاف ونظيف، من القلب ولا يرقى إلى الظن في شيء.

لايمكن أن يكون الناس جميعهم علماء وفقهاء ليستيقنوا بالعلم، لكن حتى البسطاء لديهم الكثير ليقدموه لله يوم أن يلقوه.

الرفق بالناس والتواضع لهم، واللين في مخاطبة عقولهم، هو أصل الرحمة، فلا نضيق على الناس ونترك لهم مساحة للخطأ والتصحيح والتراجع، لسنا مجتمعات ملائكية، لو أرادنا الله بشراً بلا أخطاء لما استخلفنا في الأرض، ولكن لكي يقيم العدل والحجة عليهم زرع الخير والشر، ودلهم على الطريق وأعطاهم الحرية.

فرفقاً بالناس في اختبار الحياة، فالطريق طويل، وباب العفو والأمل بالله دائما مفتوح، فلا يغرك جهل الناس في الدين أو تقصيرهم، لربما ما في قلوبهم من الإيمان مثل ما في قلب تلك السيدة العجوز، التي لا يضرها بإذنه جهلها بما لم تشك به، وكل ما في جوارحها ينبض ويؤمن بوجود الله.

اللهم إيمانا كإيمان العجائز.