لا شك أن الصحف المطبوعة تعيش اليوم أزمة وجودية، حيث إن تراجع أعداد التوزيع الحاد يمثل أكبر التحديات للصحف، مما فرض عليها وضع إستراتيجيات جديدة، لخوض معركة التحول الرقمي من أجل الخروج من عنق الزجاجة، فمهما كان اسم المؤسسة مرموقا، فإنها ستموت ويتجاوزها الزمن لو استمرت على أسلوبها القديم، حيث تغير العالم وتغير معه الجمهور المتلقي.

تحولت أنظار الجماهير تجاه وسائل الاتصال التي تعتمد على التقنيات الرقمية، وهذا التحول أثر في الصحافة المطبوعة وعلى مقدار متابعتها وانتشارها، وبالتالي أثر تأثيرا بالغا في مبيعاتها، وخلق لديها أزمات عميقة، فالصحافة المطبوعة تفتقر اليوم لأهم العناصر التي يعتمد عليها العصر الرقمي: الصورة المتحركة والتفاعلية المباشرة، وهما يمثلان عنصرين أساسيين في العملية التواصلية الرقمية، لذا من المتوقع ألا تكون عملية التحول الرقمي سلسة ومباشرة بل معقدة ومليئة بالعوائق.

الانتقال لن يكون سطحيا عبر التحول من تقنية قديمة إلى تقنية جديدة، فهو تحول جذري يتطلب تحولا في صناعة المحتوى من خلال تغيير طريقة إنتاجه ومعالجته، وبالتالي طريقة نشره، فضلا عن التحول في الجوانب الفنية والتشغيلية التي ستتطلب مهارات وأدوات وأساليب جديدة، حتى تستوفي الصحف المطبوعة المتطلبات اللازمة للتحول الرقمي، وهذا قد يعني أن أدوات الصحافة القديمة قد تنتهي في المستقبل القريب.

التحول الرقمي يتطلب منا تغيير تصوراتنا السابقة في الإعلام القديم بصناعة محتوى جديد من خلال قنوات جديدة، يتركز جلها داخل الهواتف المحمولة، فالأجيال الجديدة اليوم أصبحت من خلال هذه الهواتف المحمولة تختار المحتوى الذي تطلبه في الوقت الذي تختاره، فضلا على أن وسائل التواصل الحديثة وفرت للجمهور خاصية التفاعل المباشر مع المحتوى الإعلامي، بمعنى أن الصحف المطبوعة ستجد صعوبة كبيرة في منافسة منصات التواصل الاجتماعي.

أضف إلى ذلك أن وسائل التواصل الاجتماعي يهيمن عليها مشاهير التواصل الاجتماعي الذين يحظون بجماهيرية جارفة على الرغم من محتواهم السطحي، وهؤلاء المشاهير بلا شك يستأثرون بنصيب الأسد من ناحية أعداد المشاهدة أو الإعلانات، أي أن الصحيفة المطبوعة ستواجه في تحولها الرقمي منافسا قويا يلعب على أرضه وبين جماهيره.

وفي ظل سيطرة استخدام الهواتف الذكية على الخبر، وفي ظل ضعف القدرة التنافسية للصحف المطبوعة مقابل هيمنة وسائل الإعلام الرقمية وفرسانها مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي (السوشيال ميديا)، فإن الصحف المطبوعة في حال أرادت خوض معركة التحول الرقمي، والانطلاق نحو إعلام ما بعد الورق، يجب ألا يقتصر دورها على تقديم المحتوى الثابت للأخبار، فالتفاعلية هي الهدف الأبرز لجذب الجماهير الجديدة، خاصة الشباب من القراء، وهذا ما دفع كثيرا من المؤسسات الصحفية حول العالم لدمج «الواقع المعزز» في محتواها الصحفي من أجل توفير قيمة مضافة للصحيفة المطبوعة، وتحسين فاعليتها الاتصالية، وإضافة جمهور جديد للمؤسسة، يؤدي إلى زيادة الحجم الإعلاني للصحيفة وفتح مجال لمعلنين جدد.

تطوير أدوات التواصل بين القارئ والصحيفة المطبوعة يتطلب ضخ روح تفاعلية للمادة الصحفية عن طريق تحويل المحتوى المطبوع من موضوعات جامدة ثنائية الأبعاد إلى محتوى تفاعلي، مضافة له مواد مرئية حية ومسموعة من خلال الوسائط المتعددة، وبعد ذلك يتم ربطها بمواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك وإنستجرام، للوصول لأكبر شريحة ممكنة من المجتمع، وهذا بدوره سيعزز من قدرة الصحيفة التسويقية، ويحقق لها ميزة تنافسية، حيث إن عائدات الصحف من الإعلانات في الوقت الراهن تنخفض تدريجيا، وهذا يتطلب من الصحف المطبوعة التحرر من طبيعتها الجامدة والساكنة، وخلق تفاعل قوي وجذاب مع القراء.

خاصية التفاعلية بين الصحيفة والقارئ تمثل الخطوة الأهم لدخول العالم الرقمي.