وقف رجل حسن الوجه، جميل الملابس، أمام سقراط متباهيا بهيبته وحسن مظهره، فقال له سقراط «تكلم حتى أراك»، وكأنه يقول إن جمال الإنسان وقيمته ليس بمظهره، ولكن باختيار كلماته وتربيته وتعليمه، وقدرته على إقناع الآخرين بالمنطق.

أتذكر كنا في المرحلة الابتدائية، وكانت لدينا القدرة على القراءة والكتابة، بشكل جيد، وإخراج الكلمات بما تتطلبه قواعد اللغة العربية من فتح وضم وكسر وسكون، وعندما ترى التعليم حاليا تتساءل ماذا أصابه وما الذي حدث؟ فالطلبة لديهم مشكلة مع القراءة والكتابة، ولديهم أيضا مشكلة في مفهوم التربية، التي كانت أحد أهم روافد التعليم، بل كانت سابقة للتعليم في الاهتمام والتفضيل. وعند مواجهة أي مسؤول بهذا الخلل، تكون الإجابة إنكاراً وهروباً من الحقيقة.

وعي المجتمعات وقدرتها على التقدم ومنافسة الحضارات، لا يتأتى إلا من خلال العلم والتعليم، وستظل مشكلة التعليم ممتدة وغير محلولة، مادامت تعتمد على التلقين وتفتقر إلى العلم التجريبي، وستظل المنظومة التعليمية ضعيفة، ما دام المعلم ليس محور اهتمامها وأولوية أهدافها.

الاهتمام بتطوير المناهج وإغفال الاهتمام بالمعلم وتحفيزه، خطأ وقع فيه جميع الوزارات المتعاقبة على التعليم منذ عقود.

لا شك أنه كلما تم الارتقاء بالتعليم، فهذا سيؤدي إلى الارتقاء بمنظومته، وتحقيق الأهداف من خلال تخريج أجيال قادرة على التفكير والابتكار، وليس الحفظ دون الوعي. نريد أن يتخرج جيل لشهادته قيمة في حياته ومستقبله، وليس مجرد شهادة ورقية ليست سوى حبر على ورق.

بالإضافة إلى ما سبق نلاحظ تخلي التعليم عن أساليب التربية، التي كانت هدفا استراتيجيا للتعليم في جميع مراحله. فلا توجد تربية نفسية، وأصبح دور المرشد الاجتماعي لا قيمة له، وعلينا ألا نستغرب انتشار الأمراض النفسية والكبت والإحباط والتوحد والعنف بين الطلاب. كذلك كانت التربية الرياضية من أهم عوامل التغذية للعقل والجسد، وكانت المنافسات على مستوى المنطقة والمملكة، وكانت الفرق الرياضية في مختلف أنواع الرياضة، مع توفير المستلزمات الرياضية حتى في مدارس القرى والهجر.

كذلك كانت حصص التربية الفنية، التي أصبح دورها هامشياً وبسيطاً. كانت حصة التربية الفنية متنفساً لبث المواهب الكامنة لدى الطلاب، وكانت اللوحات الفنية والتي تعلق بالصفوف لها مردود إيجابي في نفسية الطفل، وباعثاً لروح التحدي.

كذلك كان جيلنا محظوظاً، حيث شارك في المسرحيات المدرسية، وبلا شك فقد كان المسرح أحد الموارد المهمة في تحفيز الطلاب على الظهور ومواجهة الجمهور، والتغلب على الرهبة والخوف. كذلك كان إلقاء الشعر في الطابور الصباحي، والمشاركة في مسابقات على مستوى الوزارة، وهي أشياء لم نعد نراها أو نسمعها إلا قليلاً ولعدد محدود.

لا ندري من المسؤول عن الإخلال بالجانب التربوي في المنظومة التعليمية، وعلى من تقع المسؤولية، ومتى سينتفض تعليمنا ويفوق من سباته، ويحترم عقلية التلميذ والمعلم والمجتمع؟ ويظل أملنا في التحول الوطني الذي نفض غبار السنين، وبث فينا أملاً لأجيال قادمة، ونراهن عليه للارتقاء بالمنظومة التعليمية، واجتثاث الأساليب التقليدية للتعليم، والاهتمام بالمعلم محور العملية التعليمية، وهي خطوات ستنعكس بشكل إيجابي على وعي المجتمع، وصلاح الأفراد ومستقبل الأجيال.