لدينا مشكلة مستفحلة عند العديد في العالم العربي، وهي من ينتقد أداءك تضعه لا شعوريًا في خانة العداوة، حتى لو كان ناصحًا، وستجد أو ستخترع عشرة أسباب لإثبات نظرية المؤامرة وأنه ضدك!.

وعلى هذه الحسبة يمكن لأخيك ابن أمك وأبيك، لربما يشعر بنظرية المؤامرة، لأنك تنتقد أداءه في بعض المواقف، ولا تعجبك بعض تصرفاته، لكن هذا لا يحدث غالبًا بسبب قوة الروابط الأسرية، وربما هو يعرف داخليًا أنك تريد النصيحة، إذن لماذا تقديم سوء الظن مع الآخرين؟! بينما دائمًا تقديم حسن الظن أفضل لتسير الحياة.

هذا يأخذنا إلى موضوع خطير، وهو ما نشر في الصحافة قبل أسابيع، من أن وزارة الصحة رفعت قضية على صحفي لأنه انتقد بعض القصور في أدائها، والحمد لله، كانت المحكمة موفقة في هذه القضية «محكمة الاستئناف في الرياض»، نقضت حكمًا قضى بإدانة صحفي بالتشهير والإساءة لوزارة الصحة، وقررت المحكمة الجزائية في الرياض عدم إدانة الصحفي والتراجع عن حكم سابق.

وزارة الصحة التي يتوقع منها أن تكون بلسمًا للمواطنين، صارت ترفع قضايا على الصحفيين.. مفاجأة كبيرة لنا!.

سألت أحد الصحفيين المخضرمين عن تعامل بعض الإدارات الحكومية على العموم مع الصحفيين، فذكر أن هناك بعض الإدارات الحكومية جعلت من بعض أقسامها القانونية أدوات لمطاردة الإعلاميين ممن ينتقدهم، والتهمة جاهزة «التشهير.. إلخ»، وعلى ما يتم البت ومراعاة الاختصاص من خلال لجنة المخالفات في وزارة الإعلام، يكون الصحفي «تمرمط»، وهذا ما يبحثون عنه، فهم يعرفون أنه لا توجد قضية تشهير قوية، لكن يسعون «لمرمطة» الصحفيين بالمراجعات، حتى يتم إسكاتهم عن النقد، وطبعًا نتكلم عن إمكانيات صحفي وحيد مقابل إدارة حكومية، وإدارة قانونية ذات موارد! للأسف بعض الجهات على كبر حجمها لم تعد تتحمل حتى نقدًا صحفيًا واحدًا!

دعوني أذكر لكم تاريخًا مجيدًا شهدناه، وكيف نحن أهل الرياض ترعرعنا وكبرنا، إذا أي شخص عنده مشكلة مع أي دائرة حكومية، كان يذهب لسيدي أبو فهد أمير الرياض بقصر الحكم، وكان يستقبل المئات يوميًا، وكان البعض ليس لديه أسلوب في شرح قضيته، بل البعض فيه من الجلافة الشيء الكثير، والبعض صوته عال، ومع ذلك كنا نرى سيدي أبو فهد في وسط مجلسه مبتسمًا، ويستمع للجميع، ولم نره في يوم زعل من انتقاد أي من الجهات الحكومية، هذه شهادات يعرفها الجميع، وشاهدها أهل الرياض رؤيا العين.. إن أبو فهد هو من علمنا أن نتكلم بصراحة وبأريحية أمام المسؤول، وإذا كان من خطأ يعدله لنا.

لماذا كنا ندعوه ونقول «عمنا سلمان»، لأنه عاملنا كأسرته الكبرى كل أهل الرياض، ولم نكن نتحرج من الحديث له بكل بساطة فيما نراه من قصور في أي جهة كانت، كان بعض المواطنين في قصر الحكم ينادون سيدي أبو فهد حتى بدون ألقاب «يا ولد عبدالعزيز»، حتى بعد توليه ولاية العهد ثم الملك هذه طريقة سيدي سلمان، يقول الملك سلمان بعد توليه الملك: «يجينا الواحد من المواطنين يقول يا فلان بالاسم، مثل ما قال لوالدنا وليس لقبه، ومع هذا كله، جزاكم الله خيرًا، كرسميين وكأهالي، ونقول رحم الله من أهدى إليَّ عيوبي، إذا شفتوا شيئًا يضر المواطن، أو بأفراد أو بقبيلة أو ببلدة أو بأي شيء كان، أبوابنا مفتوحة تلفوناتنا مفتوحة، وأذاننا مفتوحة لكم، والله يحييكم، ومجالسنا مفتوحة لكم، والله يحييكم».

نعلم جيدًا أنه ما فيه مثل يا بو فهد، لكن نضرب أمثلة للمسؤولين من باب الذكرى، ونعلم أن ألف عصا لن تصبح سيفًا، لكن نضرب مثالًا أعلى للقدوة.. الآن للأسف بعض المسؤولين لو لم تذكر لقبه وتضع ديباجة قبل اسمه يزعل ولا يلتفت!

عندما تنتقد جهة معينة فأنت تحاول أن تساعدهم على تحسين الأداء، عادة الإدارات الحكومية تدفع المبالغ الطائلة لاكتشاف الأخطاء وتحسين الجودة، وعندما يقوم الإعلامي بالنقد الإيجابي فهذا تقييم وكشف للعيوب مجاني يجب أن يشكر عليه.

عند البعض أن ينتقد الجهة الفلانية معناها في عرفهم أنه سيخسر علاقته معهم وسيتم نبذه وعدم دعوته.

ومن باب الصراحة البعض يقولون لك لا تنتقد الجهة الفلانية حتى لو كان فيها نقص؛ لأن مصالحك وأشغالك معهم، وبكرا ربما يستقعدون لك.. إلخ، شخصيًا ما أهتم لهذا الحديث، ولا أهتم للجهة أو المسؤول فيها بقدر ما أهتم لأدائها، وكمثال من باب التوضيح وليس التخصيص، فإنه عندي اعتقاد شخصي- لا أجبر أحد عليه- أنه لم يأت بعد غازي القصيبي -رحمه الله- وزير للصحة أدى وغير وطور نسبيًا كما فعل «أبو يارا» في عهده، ومع كامل الاحترام لكل الوزراء بعده، فقد كان أداؤهم أقل من المأمول.

وسأذكر شيئًا قد يزعل الزملاء الأطباء أيضًا لكن هذا رأيي الشخصي، أعتقد أن وزراء الصحة بعد الدكتور القصيبي، غير الأطباء كان أداؤهم نسبيًا أفضل كثيرًا من الوزراء الأطباء، لكن بالمجمل أقل من المأمول، بس لا يزعل الإخوان في الصحة.. شكل النقد هذه الأيام يسبب حساسية! ولا أعلم لماذا يزعل الناس من رأي شخصي، أو رأي كاتب أو صحفي!! فلسنا مقيمين حكوميين، ولا ندعي أننا «قالطين» حتى يؤخذ برأينا، رحم الله امرأً عرف قدر نفسه.

آمل من الإخوان في هيئة مكافحة الفساد مراجعة ملف انتقاد الأجهزة الحكومية، وسوء استخدام الإدارات القانونية من بعض المسؤولين لحشد طاقات وموارد حكومية من أجل كتم الانتقاد، هؤلاء في الإدارات القانونية يأخذون رواتبهم ومستحقاتهم من الدولة فلا يجوز للمسؤول استغلال سلطته واستخدام موارد الأجهزة الحكومية لمطاردة منتقدي أدائه، وحرية الرأي والتعبير من حقوق الإنسان المحمية بالأمر الملكي رقم (24013)، وحتى أكون منصفًا وموضوعيًا ترى حتى الإعلاميين، تتكرر بينهم المشكلة نفسها، فقبل فترة من الزمن زعل علينا أحد الإعلاميين بسبب أننا كنا ننتقد أداء قريبه الوزير السابق! لاحظ أننا ننتقد الأداء، وليس الشخص، ومع ذلك زعل الزميل الكريم.

طبعًا بالنسبة لنا استمررنا على النهج نفسه، وفي الوقت نفسه لم نقاطع الزميل في وسائل التواصل، لأننا نعتقد أنه تصرف طفولي لو قمنا بالمثل.. عمومًا إذا لم تنتقد أداء المسؤول الفلاني لأنه قريب لفلان أو علان، لن يبقى أحد لكي تنتقد أداءه.