تشارك في الاختبارات الدولية الدول المتقدمة في نظامها التعليمي والمتميزة بمخرجاتها معرفيا وتربويا، إلى جانب الدول التي تسعى لتطوير نظامها التعليمي وتحسين مستوى مخرجاتها. تشارك الأولى لتبرز تفوقها المعرفي والتربوي المستمر، ولتؤكد تميز نظامها التعليمي وجودة مخرجاته، بينما تشارك الأخرى لتستفيد من محتوى تلك المشاركات العلمية في تطوير نظامها التعليمي وتحسين سياساتها التربوية، للارتقاء بأدائها.

المشاركة في الاختبارات الدولية الخاصة بالتعليم وغيره تتركز أهميتها في أنها تقيس مستوى تحصيلنا في مجال معرفي أو مهاري أو تخصص معين على مستوى عالمي، يخضع لمعايير ومقاييس دولية، مما يمكنها من قياس وتقويم مستوى المشاركين في تلك الاختبارات التنافسية التي تعكس مستوى جودة النظم التعليمية والمعرفية التي أفرزت تلك المخرجات، وبها يمكن تحديد موقعنا المعرفي والتنموي في الخريطة العالمية مع الدول المشاركة.

شاركت المملكة في الاختبارات الدولية لقياس مستوى التعليم وتقويمه منذ 2003، تزامنا مع بداية الاهتمام بتطوير التعليم وتحسين مخرجاته. وكانت اختبارات «TIMSS»، المعنية بقياس مستوى تحصيل الطلاب/‏‏ت في «العلوم والرياضيات»، أول الاختبارات الدولية التي شاركنا فيها، لتعقبها مشاركة في اختبارات «PIRLS»، المعنية بقياس مستوى تحصيل وأداء الطلاب/‏‏ت في «القراءة والكتابة» منذ 2011، تليها اختبارات «PISA» التي تهتم بقياس وتقييم قدرة الطلاب/‏‏ت على توظيف المعرفة في المواقف الحياتية اليومية، وتقييم قدرتهم على التعلم مدى الحياة، وذلك في 2018.

تبذل وزارة التعليم جهودا مُقدرة في تحسين جودة العملية التعليمية، ومساعى حثيثة لتطوير منظومة التعليم من أجل النهوض به وبمخرجاته. وفي إطار تلك الجهود، عقدت الوزارة عددا من ورش العمل لمديري التعليم في جميع المناطق، بهدف رفع الوعي بأهمية الاختبارات الدولية والاستعداد لها. كما أطلقت منصة تدريبية تحتوي على «بنك أسئلة»، لإعداد الطلاب، وتهيئتهم لاختبارات «TIMSS». وعليه، تم إجراء اختبار تجريبي لطلاب الصف الرابع الابتدائي والصف الثاني المتوسط - المستهدفين في الاختبارات - من أجل معرفة مستواهم الحالي وفرص التحسين.

وتضمنت كلمة وزير التعليم في ورشة عمل قيادات التعليم العام، للاستعداد للاختبارات الدولية (TIMSS)، في 20 يناير 2019، عبارات وجملا جوهرية، محفزة للارتقاء بجودة الأداء في جميع منظومته، ودافعة إلى تقصي الشفافية في نتائجه، حيث قال: لا بد أن نعرف أين نحن وأين نقف وأين سنتجه وأين سينتهي بنا المطاف؟. وأضاف: نحتاج لخطة عمل حقيقية وواضحة، لا تنظير فيها ولا إستراتيجيات تُغرقنا في دوامات كبيرة. وأكد: يجب ألا نخجل من ضعفنا أو نخفيه ونتجاهله بل لا بد من الاعتراف به ومواجهته وإيجاد الحلول له.

بالإشارة إلى نتائج اختبارات «TIMSS»، التي نشرت أخيرا من قبل هيئة تقويم التعليم والتدريب، المسؤولة عن متابعة إجراءات الاختبارات الدولية وتفعيلها على المستوى الوطني، أبرزت تقاريرها تفاصيل نتائج الاختبارات التي تشير إلى تقدم نتائج التحصيل العلمي لمادتي «الرياضيات والعلوم» لطلابنا/‏‏ت في 2020 مقارنة بنتائج 2015، التي شهدت انخفاضا حادا في نتائجها التحصيلية مقارنة بسابقتها. وأبرزت نتائج 2020، المعلنة قريبا، أن المستوى التعليمي لا يزال دون المأمول بل أقل من المتوقع حصده بعد تسع سنوات من التطوير والتحسين، وذلك بالمقارنة مع نتائج 2011 التي سجلت تقدما في جميع المستويات المستهدفة بمقرراتها مقارنة بـ2019، فبعد أن حصل طلاب الرابع الابتدائي في مادتي الرياضيات والعلوم على 410 و 429 من النقاط على التوالي في 2011، فإنهم حصلوا على 398 و402 في 2019. أما طلاب الثاني المتوسط، فقد حصلوا على 394 و436 من النقاط في كل من الرياضيات والعلوم على التوالي في 2011، في حين أنهم سجلوا النقاط نفسها في الرياضيات (394) في 2020، و431 في العلوم، بأقل «5» من النقاط عن 2011.

من جهة أخرى، حسب تصنيف المنظمة الدولية المعنية بالاختبارات، فإن ترتيب الطلاب المشاركين لم يتغير عن 2015، حيث إنهم ما زالوا في المربع الأخير«LOW»، حسب التصنيف الدولي، وذلك على الرغم من تحسن درجاتهم مقارنة بـ2015. أما التقدم المحرز بالمشاركة الأخيرة في اختبارات «TIMSS» على مستوى الدول المشاركة، التي بلغ عددها 58 دولة، فإننا حصدنا الترتيب الـ53، إذ تقدمنا على كل من الكويت وباكستان والفلبين وجنوب أفريقيا والمغرب!!.

نحتاج دوما إلى الشفافية والمصداقية والدقة في نشر البيانات، وإن كانت مؤلمة وموجعة، لكنها ستكون البداية الصحيحة لإصلاح التعليم ومعالجة تحدياته الحقيقية برؤية جديدة وإستراتيجيات مختلفة تماما عن سابقتها، بعد أن أكدت نتائج اختبارات «TIMSS» في 2020 أن الأدوات المتبعة والإستراتيجية المنفذة لم تؤت أكلها على الرغم من حجم الجهود المبذولة والتطلعات المأمولة.

منجزاتنا في الاختبارات الدولية لا تناسب ما تحققه المملكة من مكانة دولية رائدة ومتميزة كأحد مجموعة العشرين، ولا تتوافق مع تطلعاتنا التنموية ورؤيتنا الطموح 2030 في مستوى التطوير المطلوب لأداء مؤسساتنا التنموية، التي يمثل التعليم قاعدتها الأساسية وبوابتها نحو الريادة الدولية. نتائج الاختبارات الدولية تؤكد مقولة الوزير: يجب ألا نخجل من ضعفنا أو نخفيه ونتجاهله بل لا بد من الاعتراف به ومواجهته وإيجاد الحلول له. الاختبارات الدولية وضحت لنا واقعا حقيقيا لا يمكن تجاهله، وأجابت عن تساؤلات الوزير: أين نحن وأين نقف وأين سنتجه وأين سينتهي بنا المطاف؟!.