بعيدًا عن أعين الرقابة الأسرية، يطلق مراهقون تتراوح أعمارهم بين 15 و20 عامًا العنان لأنفسهم، فينتشرون في الشوارع والميادين يتجولون في ساعات متأخرة جدًا من الليل، وقد استقلوا سيارات والديهم مطموسة اللوحات أو معدلة، متجاوزين السرعات المحددة، ويمارسون التفحيط داخل الأحياء، ناثرين الذعر والإزعاج، رافعين أصوات الموسيقى، ضاربين بكل المناداة والمطالبة الاجتماعية بضبط سلوكهم عرض الحائط.

لعبة الموت

التفحيط، أو لعبة الموت، أو المقامرة بالحياة، مسمياتٌ لظاهرةٍ تفشت بين المراهقين، وتتمثل بقيادة السيارات بشكلٍ سريعٍ ومريعٍ وغير منتظم، مع إصدار إطارات السيارات لأصوات عالية، وتركها آثارًا سوداء على الطرقات، وذلك بقصد اللعب والاستعراض، مع اعتبار هذا السلوك نوع من الشجاعة وحب المغامرة، واستعراض مهارة القيادة في ظروفٍ خطيرة.

يقول الأخصائي الاجتماعي عارف جطلان: «انتشرت ظاهرة التفحيط داخل الأحياء وفي الشوارع العامة، مع ما تسببه من إزعاج وخطورة، وربما سببها الرئيسي هو وقت الفراغ لدى الشباب الذي يُستغل بطريقة خاطئة لأجل الظهور والشهرة وتقليد الآخرين، كما أن غياب رقابة الأهل وعدم متابعتهم لأبنائهم من أهم عوامل تمرد الأبناء في الشوارع».

ويضيف: «حلول مواجهة ظاهرة التفحيط داخل الأحياء والسرعة الجنونية، تتمثل في تفعيل الدور الإعلامي، وتوعية الشباب بخطورة هذا الظواهر والسلوكيات الخاطئة، وإشراكهم في نواد رياضية، وإقامة فعاليات شبابية تسهم في شغل فراغهم بما يعود عليهم بالنفع والفائدة، ووضع ضوابط أكثر صرامة على مكاتب تأجير السيارات، وثقيف الأسرة بأثر وعواقب التفحيط وإيجاد العقوبات الرادعة والحزم في تنفيذها وزيادة الوازع ومراقبة الأبناء، والتنبيه إلى المخاطر الناجمة عن التفحيط، مثل إزهاق الأرواح والترويع والتعدي على الآخرين بإتلاف ممتلكاتهم، وتعطيل الحركة المرورية وانتهاك الأنظمة».

ويرى أن «تجمعات المراهقين وسط الأحياء تزعج الأهالي، وتقلب ليلهم نهارًا، وقد ينجم عنها شيوع سلوكيات خاطئة وتصرفات مرفوضة، مثل إيذاء المارة والكذب والتدخين، وقد يستغل بعضهم هدوء الليل وغفلة المواطنين لسرقة محتويات السيارات أو سرقتها للتفحيط بها ثم تركها في حالة منهكة، أو مشوهة الهيكل الخارجي، كما يتلف البعض المرافق العامة ويدون كتابات على الجدران».

غياب الرقابة

يقول الأخصائي الاجتماعي محمد بالحارث: «إن السبب الرئيس في عدم انضباط الشباب من 15 إلى 18 عامًا هو غياب الرقابة الأسرية المباشرة، ما يجعلهم يرتكبون أفعالًا مخالفة مثل التفحيط والإزعاج بمكبرات الصوت وأبواق السيارات، ناهيك عن تجمعاتهم غير المبررة داخل الأحياء وعلى الطرقات، ما يعرقل حركة المرور ويغلق الطرقات، إضافة لما ينجم عن تلك التجمعات من مضاربات وغيرها، وعلى الأسرة دور كبير في متابعة أبنائها وتوعيتهم، وعدم ترك الحبل على الغارب لهم، كما أن للمجتمع دورًا كبيرًا في إبلاغ الجهات المختصة حال ملاحظة أي سلوكيات خاطئة.

ويرى بالحارث «أن ألعاب التفحيط الموجودة في الجوالات والألعاب الإلكترونية من المحرضات للمراهقين لتجربتها وتطبيقها واقعيًا، حيث يلتقي مراهقون يحملون الأفكار نفسها ويتنافسون بالتفحيط والمغامرة بالسرعة الزائدة، غافلين عن المخاطر، وهنا أدعوا الأباء لمتابعة أبنائهم».

فرض الغرامات

يضيف بالحارث: «علاج ظاهرة التّفحيط يكون بالتوعية من قبل الأهل بالدرجة الأولى، ثم من خلال المدرسة، ويجب أن تكون التوعية دائمة، مع ضرورة ذكر سلبيات التّفحيط وغيره من السلوكيات غير الأخلاقية، وعرض تجارب سلبية لأشخاص مارسوه، ليتعظ المراهقون والشباب، وتشديد القوانين من قبل الجهات المسؤولة، ووضع عقوبات تصل إلى السجن والغرامة المالية وحجز السيارة، بحيث تكون هذه القوانين صارمة جدًا ورادعة، مع إغلاق الأماكن التي يتم التفحيط فيها، ووضع لافتات بالمساحات الواسعة تمنع الوقوف أو التجمعات بهذه الأماكن تحت طائلة المساءلة».

الدعاء بالهداية

يشتكي محمد اليامي من أن النصائح لم تنفع مع ابنه للتحذير من مخاطر التفحيط والسهر حتى ساعات متأخرة جدًا، وقال: «لم يطاوعني قلبي أن أسجنه، فهو الوحيد بين أخواته البنات، ولا أملك إلا الدعاء بأن يهديه الله».

ويضيف: «أحاول إخفاء مفاتيح السيارة عنه، لكنني أفاجئ بحصوله على مفتاح احتياطي، وهو يستغل وقت نومنا ويخرج بسيارتنا الوحيدة التي نكسب رزقنا من العمل عليها، ويمارس فيها التفحيط، ويعود مع شروق الشمس بعدما يكون قد أفرغ خزانها من الوقود».

ساعات متأخرة

يرى علي آل مسعد أن السهر والتفحيط منتشران، وطالب الآباء بمتابعة أبنائهم حتى لو اضطروا لإبلاغ الجهات الأمنية عنهم، فهناك ممن يزعج النائمين والمرضى، ونتمنى احتواءهم بإيجاد ميادين لهم يمارسون فيها التفحيط بعيدًا عن الأحياء السكنية.

حلول مناسبة

- توعية الأهل والمدرسة بسلبيات وخطورة التفحيط.

- عرض تجارب سلبية لأشخاص مارسو التفحيط ليتعظ المراهقون.

- تشديد القوانين من قبل الجهات المسؤولة.

- وضع عقوبات تصل إلى السجن والغرامة وحجز السيارة.

- إغلاق الأماكن التي يتم التفحيط فيها.

- السيطرة على ما يعرض في الأفلام والألعاب المحرضة للمراهقين.