لا شك في أهمية دور الدين في بناء الإنسان، الذي ميزه الخالق، سبحانه وتعالى، بأن جعله الكائن الحي الوحيد الذي كرمه بالنفخة الروحية الإلهية، يقول سبحانه تعالى، في سورة الحِجر: {فإِذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين}، وجعله خليفة في الأرض، من أجل إعمارها بما يخدم أهلها ماديا وروحيا، قال عز وجل، في سورة البقرة: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون}..

في الأثر، وليس في الحديث، «تخلقوا بأخلاق الله»، وبغض النظر عن الخلاف في فهمه، فإن معناه المتفق عليه، أجده في قول الشيخ ابن القيم، رحمه الله، في كتابه القيم (مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين): «التعبد بالصفات الجميلة والأخلاق الفاضلة التي يحبها الله، سبحانه وتعالى، ويخلقها لمن يشاء من عباده؛ فالعبد مخلوق وخلعته مخلوقة وصفاته مخلوقة، والله، سبحانه وتعالى، بائن بذاته وصفاته عن خلقه، لا يمازجهم ولا يمازجونه، ولا يحل فيهم ولا يحلون فيه، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا»، ويشهد على هذا الأحاديث الشريفة الصحيحة: «إن الله جميل يحب الجمال»، و«إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا»؛ وهذا التخلق المطلوب هو الجواب عن مدى جدارة الإنسان بخلافة خالقه في الكون، وهذا يكون من خلال المزاوجة بين الماديات والروحانيات، وعدم التوقف عن الاستزادة من المعارف والعلوم، وإقامة العدل بين الأنام، وزيادة الصلة بالله تعالى، وزرع الخير للناس وفيهم..

شطب الدين من معتركات الحياة، أو عدم إعطائه الاهتمام المطلوب، فوق أنه مخالف للتذكير اللازم المذكور في الآيات القرآنية المتعددة، كمثل قوله سبحانه في سورة (ق): {نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد}؛ لن يخلق أجيالا واعية بمسؤولياتها، أو فاهمة لأدوارها في حياتها، وكل من ينظر بعمق يمينا أو يسارا، سيتأكد عنده أن الهداية بابها توصيل الناس بالله، من خلال الدين، الذي هو باب إنقاذ الناس جميعا من الضياع والشتات..

الإنقاذ المراد، لا يمكن أن يتحقق إلا بالدين «المتوازن»، وبطريق الوعي الكامل بالأخطار، وكيف يمكن أن ندفعها، وأن نجعل محلها المصالح والمنافع، وهذه مسؤوليات كبيرة، ومهام جليلة، وليست أمنيات دون عمل مستمر طيلة الليل والنهار، ومشروط بأن يكون خاليا من الكراهية والحقد والظنون السيئة والتفكير السلبي، وأن يكون محفوفا بالإخلاص والرغبة الصادقة في صناعة وصياغة مستقبل يواكب تطلعات من يحب أن تكون الحياة خصبة، وفي نفس الوقت حلوة، وقبل هذا وذاك جميلة.