لا أحد يعلم تاريخ نخيل هجر (الأحساء) بالتحديد، إلا أن من المعروف أنها أكبر واحة مياه بالجزيرة العربية وأكثرها نخيلا عبر التاريخ. كما كانت المنطقة والتي تشمل اليوم البحرين والأحساء والقطيف معروفة بالأزمنة القديمة عند الأكاديين والسومريين بمسمى «نيدوك كي» و«دلمون»، وكانت مأهولة بالسكان وبها عدد من الممالك.

كما اعتبرت حضارات الرافدين أن نخيل المنطقة هو شجرة الحياة ومن الجنان، وأن المنطقة تميزت بشجرة الخلد. وأشارت وثيقة «تاريخية تعود إلى أيام أحد ملوك سومر حوالي 2550 – 2500 ق.م. أنه أحضر خشب البناء من ديلمون والذي يعتقد أنه من جذوع النخيل.

ويذكر مؤرخو اليونان القدماء أن أصول الفينيقيين تعود لمنطقة ديلمون القديمة والتي أسموها تايلوس تيمننا بطلع النخيل الذي يبث الحياة للتمور، وتفاخروا بأن بها كانت الدولة الأم لهم وكانو يتخذون من النخلة شعارا لهم.

ومن أهمية الأحساء التاريخية أن بعد غزو الإسكندر المقدوني الهند أرسل أحد قادته استكشافًا ووصف ميناء الأحساء القديم «العقير» في مذكرات مؤرخيهم.

وقد ورد في السنة المطهرة عن نبي الله محمد عليه أفضل السلام والتسليم أن في السنة السابعة للهجرة عندما قدم وفد بنو عبدالقيس من هجر (الأحساء) مما روي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: «خير تمراتكم البرني يخرج الداء ولا داء فيه». صححه الألباني وقال المناوي «خير تمركم» وفي رواية «ثمراتكم البرني يذهب الداء ولا داء فيه»، أي فهو خير من غيره من الأنواع، وإن كان التمر كله خيرًا.

وقد أفاد باحثون في «أصول النخيل»، بمدينة الملك عبد الله العالمية للتمور التابعة لأمانة الأحساء أن تمر البرني المقصود بالحديث الشريف هو تمر الرزيز المعروف بالإحساء وهو من أقدم أنواع التمور وأشهرها بالواحة المنتشر ومنذ زمن الرسول صلى الله عليه وسلم.

وقد يختلط على البعض تمر البرني المعروف بالمدينة المنورة وكذلك في محافظة العيص ومنطقة القطيف، والآخر البرني بالعراق وفي فارس. ولكن يبدو أن اللفظ جاء بكل الحالات المتشابهة أو للميزات ولكنه غير ذاك المقصود على أية حال والذي ذكر بالحديث الشريف لتحديد هجر مكانا لتمر البرني عند لقاء وفد بنو عبد القيس للرسول صلى الله عليه وسلم.

وليس هناك تعداد دقيق لأعداد النخيل في واحة الأحساء سوى عن استقصاء بياني قديم للهيئة العامة للإحصاء بين أعداد هائلة لنخيل الأحساء، ذاكرا بأن اعدادها بلغت مليونان ونصف تقريبًا.

ويوجد في واحة الأحساء ما لا يقل عن خمسة وثلاثين صنفا من التمور، منها ستة عشر نوعا معروفا بتوفره، وتسعة عشر صنفاً نادرا، بالإضافة إلى حوالي تسعة أصناف منها مندثرة.

ويعتد تمر الخلاص أهم وأكثر صنف من التمور شيوعاً وشهرة، يليه الرزيز (البرني) والشيشي.

كما أن أغلب أصناف تمور الواحة الأخرى تستهلك محليًا وتستعمل بالإضافة لصنع عجين ودبس التمر.

ومن الصناعات التحويلية القديمة «السفسيف» الذي يتخذ من تمر الرزيز (برني هجر) كأساس له، ويستهلك غالبه في الواحة بعد خلطه بالدبس ووضع إضافات عليه.

وهناك أنواع أخرى من تمور الأحساء يعمل منها ما يعرف بالسلوق والذي له مذاق مميز كالكاكاو، وكان في الأزمنة القديمة يصدر بأصنافه للهند ودول الخليج وبأعداد كبيرة ويباع لقوافل الحجاج أيضًا.

وتشمل أنواع تمر السلوق، الزاملي وهو من أميزها، وأم الرحيم والهلالي والشهل.

وتكمن التحديات في الواحة من ضعف الطلب على تمور الأحساء بصفة عامة، حيث هبط سعر تمر الخلاص الأكثر شيوعًا في الواحة للمزارعين، من مستواه التاريخي القديم بـ 16 ريالًا للكيلو إلى ما يقل عن ريالين للكيلو حاليًا، في ظل ارتفاع التكاليف، مما يشكل مشقة ومعاناة للمزارعين.

ورغم هذه التحديات فإن هناك تحولات في صناعة التمور بالواحة من حيث الابتكار الاقتصادي في قطاع النخيل، حيث استخرجت منتجات جديدة واعدة قائمة على تمور الأحساء، منها الخل والتمور المجففة المقطعة والتي تستعمل بديلًا للزبيب في الأطعمة والمكسرات، وسكر التمر السائل الشفاف للحلويات، وكريمة التمر التي تشابه النوتيلا، وأيضًا مخللات البسر بمختلف أنواعها، كما أن هناك تزايدًا واهتمامًا في إنتاج وتسويق التمور العضوية بأنماطها.

وهناك توجه جديد لاستغلال نواة تمور الأحساء بالعمليات الصناعية، فقد تمكنت شركة أرامكو السعودية من استغلال نواة التمور في حفر آبار النفط، واستطاعت شركات محلية تطوير المنتجات التراثية من صنع كمادات من نواة التمور للاسترخاء، ومن استخراج زيت نواة التمور للأغراض التجميلية.

وتتوجه الأبحاث الحالية إلى نواة التمور في مجال التطبيقات الغذائية حيث لها العديد من الاستخدامات.

وما زلنا نتطلع للعديد من الابتكارات في الصناعات التحويلية القائمة على التمور والقادم أفضل بإذن الله.