يعيش الإنسان بين مد وجذر في علاقاته الإنسانية تارة، وصنيع أقدار الله - جل جلاله - تارة أخرى.

وفي علاقاتنا الإنسانية نُصادق ونرحل، ونلتقي بكُثُر ثم قد نُفارق، ونرتبط عاطفيا ثم قد ينفصل أحدنا.

وفي الفقد كتب شعراء الإنسانية الكثير وأبدعوا، عربا وعجما في مشارق الأرض ومغاربها.

في الفقد بكى شعراء وروائيون وكتّاب، ولم تزل دمعةُ كل محب لا تجف في كل يوم، فالفقد ليس خيارا في أغلب الأحيان.

وألم الفقد ليس كأي ألم، فمن جرب هذا النوع من الألم لم يزل يدرك جيدا لِمَ قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم:

«وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون».

وليس الموت وحده مؤلم، فثمة فراق أشد على النفس من فراق ناتج عن موت من نحب، فكوننا نعلم بحياة من نحب، ولكنه قد رحل دون عودة، في ذلك ألم أشد، فهل نستسلم؟.

في الحقيقة لا يمكن لمن يكابد ألم الفراق أن يستسلم إذا ما كان مهتما بمواصلة مسيرة الحياة بنجاح، ولا يمكن وضع وصفة جاهزة لتجاوز ألم الفراق، ولا يمكن أن تنطبق جميع النصائح على الجميع، فلكل إنسان ظروفه، ولكن لعل أفضل ما يمكن أن يقال في مواجهة ألم الفراق والتخلص منه جزئيا ثم كليا هو أن يتجه الإنسان إلى خيارين دون إبطاء:

أولهما بدء الحياة العاطفية من جديد، وثانيهما الانهماك في عمل يحبه ويستمتع بالقيام به.

وأما ألم الفراق لمن غيبه الموت فلا يمكن تجاوزه دون إشغال النفس فيما تحب وينفع، مع ضرورة الانتباه إلى الابتعاد عن أمور تذكرنا بمن فقدنا مثل صُورِهِ، والأماكن التي اعتدنا أن نجالسه فيها، ومن ثم التوقف عن إتاحة الفرصة للفراغ، لكي يكون جزءا من حياتنا اليومية، فالفراغ يعني الذكريات التلقائية التي لا يمكن السيطرة عليها.

إن ألم الفراق موجعٌ، وأشد إيلاما من الألم الجسدي في كثير من الأحيان، لكننا مطالبون بإدراك أننا خلقنا لنحمل لمن حولنا وللعالم رسالة، وأننا لا ينبغي أن نتخلى عن دورنا الذي خُلِقنا من أجله، والاستسلام لألم الفراق وما ينتج عنه يعني انهماكنا فيما لا ينفعنا ولا ينفع الناس، وهذا بدوره سيعيدنا إلى الخلف أعواما كثيرة بدلا من أن نتقدم إلى الأمام، وكلمة السر في الحصول على القوة النفسية التي ستمكنا من تجاوز هذا الألم هو الله سبحانه وآياته، فعلاقتنا بالله تعالى وكتابه هي خير مهدئ للنفس، في ظل عاصفة شديدة كعاصفة فراق حبيب، وحينها سندرك أننا أكثر قوة وأشد تماسكا، وأننا قادرون على الوقوف على أقدامنا من جديد بإذن الله.