خصص عدد من المهتمين في الشأن الثقافي حسابات ومنصات إلكترونية لجمع المشاركات الثقافية من نصوص شعرية وأدبية، كُتبت بأسماء مستعارة في حسابات مجهولة، فضّل أصحابها التخفي وراء تواقيعهم ومشاركاتهم لأسباب مختلفة.

وأكد هؤلاء المنقبون أن جهودهم تأتي لحفظ الأعمال والمشاركات الأدبية في مواقع التواصل وتدوينها ثقافياً بأسماء أصحابها.

وأعادت هذه المحاولات مسألة اللجوء إلى الكتابة بأسماء مستعارة إلى الواجهة، وهي مسألة قديمة قدم التاريخ، فمنذ أن وصل إلينا الأدب العربي قادما من التاريخ العميق، ومنذ وصلنا الأدب الغربي، والأسماء المستعارة التي لجأ إليها البعض معروفة، بل وطغت في كثير من الأحيان على الاسم الحقيقي، فكلنا يعرف الفرزدق، لكن قلة يعرفون أنه الشاعر همام بن غالب بن صعصعـة التميمي.

بدوره عُرف الشاعر «مسلم بن الوليد» بلقب «صريع الغواني»، وعرف الشاعر ثابت بن جابر بلقب «تأبط شرا»، وعرف الشاعر عبدالسلام بن رغبان الحمصي بلقّب «ديك الجنّ»، ومثله باللقب نفسه الشاعر المصري محمود صفوت الساعاتي والشاعر اللبناني سمعان نصر.

كما يعرف معظمنا الكاتب فولتير، لكن أقل بكثير من يعرفون أنه الكاتب الفرنسي فرنسوا ماري أرويه.

العثماني والضمير المستتر

يكشف الناقد عبدالرزاق القشعمي، أن التخفي خلف الأسماء والرموز والتواقيع المستعارة انتشر وسط الأدباء والكتاب والصحافيين العرب قديماً خوفاً من البطش العثماني، ثم تحول الأمر لاحقا إلى ما يشبه العادة الثقافية، وبعد زوال ذلك العهد طفِق الأدباء والنقاد على المجاهيل الأدبية يعيدونها إلى أصحابها حفظاً للحقوق الأدبية والفكرية.

ويضيف «أول من اشتغل في فك رموز الأدب هو الأديب مصطفى السباعي، ثم تبعه عبدالقدوس الأنصاري في مجلته «المنهل» التي أصدرها من المدينة المنورة أبان التسعينيات الهجرية»، مشيراً إلى أن «من العوامل التي دفعت المثقف إلى أن يستتر وراء توقيع واسم وهمي، تأخر المجتمعات، وانعدام الأنظمة التربوية والثقافية، ولجوء المثقفين فيها للتخفي والاستعارة ليبوح عما في خاطره بعيداً عن الأذى والتجريح».

فك الرموز الثقافية

يبين القشعمي أن «المؤسسات الصحافية والأندية الثقافية حرصت في مسيرتها خلال القرن الميلادي الماضي، على فك رموز المجاهيل الأدبية، وجمع الأسماء الوهمية والتواقيع المستترة، وإعادتها إلى أصحابها، صيانة لها من التعديات والجهالة العلمية، فسارعت الأندية الثقافية لجمع مجاهيل الفنون الأدبية والثقافية وفك رموزها للوصول لأصحابها ونسبها لهم، مؤكداً أنه جمع في مؤلفه «الأسماء المستعارة للكتّاب السعوديين 450 اسمًا مستعارًا لكبار أدباء عصره».

ويبدو الرقم الذي يشير إليه القشعمي رقما كبيرا، يفسره البعض على أنه يعكس مخاوف اجتماعية كبيرة لدى المشتغلين بالأدب من سوء الفهم المفضي إلى متاعب رأوا أنهم في غنى عن تبعاتها.

المرأة والقيود

كثيرا ما لجأت المرأة المثقفة إلى استعمال المجاهيل والأسماء المستعارة في نتاجها، حتى شغلت حيزا كبيرا جدا من عدد الأعمال الأدبية المحصورة والمجهولة المصدر، وبحسب عدد من النقاد العرب فإن المرأة الشاعرة أصّلت ذلك النوع من الأدب، وساهمت في انتشاره جراء اختيار عدد من الأديبات التخفي خلف أسماء رمزية ومستعارة للتحرر من القيود المجتمعية، خصوصاً أن العادات والتقاليد تمنع المرأة من الجهر بمشاعرها، فكان الاسم المستعار سبيلاً لها لقول ما لا تستطيع قوله باسمها الحقيقي، ولعل من أهم أسباب التخفي في الأدب الأنثوي القصائد الغزلية، التي يرى البعض أنها تحط من قيمة المرأة اجتماعياً، فبقيت تصارع بين كتم مشاعرها، أو إظهارها بأسماء وهمية، وكان أول صدور لديوان شعري للمرأة في المملكة قد حمل اسما مستعارا.

ويؤكد الناقد الفني فيصل إلياس أن الوسط الفني الغنائي هو الآخر شهد تزايدا في استخدام الأسماء المستعارة، ونتيجة لذلك تعرض الموروث الفني القديم للضياع بسبب تخفي أصحاب كثير من الأعمال الغنائية التي انتشرت في ستينيات القرن الماضي بأسماء مجهولة، ومنها نصوص شعرية، وأعمال فنية غنائية، بسبب عدم معرفة أصحابها، وهو ما أفسح المجال أكثر لظاهرة السطو وسرقة اللحن والأغاني القديمة، معللاً «انتشار تلك الفنون مجهولة التأليف أو التلحين أنها تعود إلى أن عدداً من الأسر ترفض وجود أبنائها في الوسط الفني لمخالفتهم ما تراه أعرافا وقيما دينية»، مؤكداً أن عددا من مشاهير الشعر والفن الغنائي كانت بداية ظهورهم بأسماء وهمية من بينهم «مخاوي الليل» وهو الفنان خالد عبدالرحمن، و«أسير الشوق» وهو الشاعر الأمير نواف بن فيصل، و«منادي» الأمير سعد بن سعود، وغيرهم كثيرون، مثل فتى الشرقية وفتى رحيمة، وآخرون انتجوا أعمالاً فنية، وهم مستترون خلف أسماء وهمية.

مبررات الاستعانة

تتباين الأسباب التي دفعت المثقفين من كتاب وشعراء وفنانين إلى اللجوء إلى أسماء مستعارة لنشر نتاجاتها، منها إضافة إلى ما ذكرناه سابقا من الخشية الاجتماعية من التعبير عن المشاعر أو امتهان الفن في أزمنة محددة، أسباب مثل الكتابة في مواضيع جريئة، أو كما تعارف عليه أهل الأدب والثقافة ملامسة «التابو» أو حتى تخطيه، والكتابة أو تناول مثل هذه المواضيع غالبا ما توقع صاحبها في حرج، ولذا يجد أن طرحا باسم مستعار يجعله يوصل فكرته منها دون أن يتحمل وزر تبعاتها الاجتماعية أو حتى غيرها من التبعات.

ومن المبررات كذلك الكتابة في أكثر من تخصص، والرغبة في المحافظة على الخصوصية والابتعاد عن الإشهار، وربما كذلك للهروب من الاسم الحقيقي الذي قد يكون غريبا أو غير مألوف أو صعب النطق، وهنا يلجأ لاسم حركي يجعل اسمه أسهل في التداول بين العامة.

وأحيانا قد يكون اللجوء إلى الاسم المستعار بالإكراه، كأن يحمل أكثر من شخص الاسم الحقيقي نفسه فيلجأ أحدهما إلى استخدام مستعار ليميز نتاجه عن شبيه اسمه تجنبا للالتباس، وقد يكون اللجوء للاسم المستعار حيلة يتخلص بها المرء من رأي سلبي أو حتى إيجابي له في مسألة ما، وحين غير موقفه لم يستطع أن يطرحه باسمه الحقيقي من جديد.

وكثيرا ما بدأ كتاب وأدباء وملحنون بأسماء مستعارة خشية أن يكون الفشل حليف أعمالهم الأولى، وحين نجحت بادروا إلى الإقرار بها، والإفصاح عن أسمائهم الحقيقية.

كما يمكن إضافة أسباب أخرى، منها المادي، حيث تمنع مثلا بعض الصحف كتابها أو محرريها من الكتابة في موقع آخر، فيلجؤون إلى أسماء مستعارة لتحسين أوضاعهم المادية، وتجنب الاصطدام مع صحفهم.

قائمة طويلة

مقابل 450 اسما مستعارا لأدباء سعوديين، ثمة قائمة طويلة لكتاب عرب تخفوا لسنوات كثيرة خلف أسماء مستعارة، بعضهم كشف لاحقا ومتأخرا عن اسمه الحقيقي، وبعضهم بقيت دائرة عارفيه في نطاق الأصدقاء المقربين، فقد استخدم الكاتب الجزائري محمد مولسهول الذي تخلى عن رتبته العسكرية ليستطيع الكتابة اسم «ياسمينة خضرا» في نشر مؤلفاته وبعضها كتب بالفرنسية، و«ياسمينة خضرا» هو اسم زوجته التي أحبها.

وكان مولسهول يكتب باسمه الحقيقي لكنه تجنبا للرقابة العسكرية على أعماله كتب باسم مستعار، وتخلى عن رتبته العسكرية، والطريف أن الاسم المستعار جلب له الحظ السعيد، ففي أمسية لمولسهول أعلن عنها في إسبانيا لم يحضر سوى بضعة أشخاص، فيما حين أعلن عن أمسية أخرى باسم «ياسمينة خضرا» كان الحضور أكبر بمراحل.

بدورها استخدمت الشاعرة الليبية حواء القموي اسم «محبة» بعدما نهاها أخوها الذي سمع اسمها في مشاركة لها ببرنامج إذاعي وكان عمرها 18 عاما، وطلب منها عدم ذكر اسمها مقرونا باسم العائلة، وقال لها «الأفضل أن تختاري اسما مستعارا»، كما نشرت كذلك بأسماء عدة مثل «صامد أنا صامد» و«دلال المغربي» و«إيمان محمد»، وثم «حواء».

كما استخدم اللبناني أنسي الحاج، اسمي «سراب العارف» و«عابر» لنشر نتاجه، وكتب توفيق يوسف عوّاد باسم «حمّاد»، وكتب حسين مروة باسم «أبو حسّان»، وكامل مروّة باسم «عين»، وكتب الياس خوري باسم خليل أيوب ومروان العاصي، وكتب عباس بيضون باسم فادي محمد، كما وقع ربيع جابر أول رواياته «الفراشة الزرقاء» باسم «نور خاطر».

أصحاب المناصب

اضطر كثير من أصحاب المناصب العليا سياسيا واجتماعيا وبينهم وزراء ودبلوماسيون وأمراء إلى الاستعانة بأسماء مستعارة، فكتب تاج الدين الحسيني، الذي عُين رئيساً لسورية خلال الانتداب الفرنسي باسم «أبو الضياء»، وكتب مسؤول الحزب الشيوعي السوري في دمشق خالد بكداش، تحت اسم «باحث عربي».

وكتبت الأميرة فاطمة شقيقة الملك المغربي السابق الحسن الثاني باسم «باحثة الحاضرة»، وعُرف الشاعر علي أحمد سعيد باسم «أدونيس»، فيما كان الكاتب السوري الساخر محمد الماغوط يستخدم في بداياته اسم «سومر»، وكتب غسان كنفاني باسم «فارس فارس»، وكتب شكيب ارسلان أحيانا باسم «أمير البيان».

أسماء أنثوية

لجأ كتاب وأدباء عدة من الذكور لاستخدام أسماء أنثوية في نتاجاتهم تحت غايات مختلفة، فكتب الشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي باسم «ليلى»، وكتب إحسان عبدالقدّوس مقالات باسم «زوجة أحمد».

كما لجأت أديبات عربيات لأسماء مستعارة لتوقيع نتاجاتهن، ومنهن ميّ زيادة التي كتبت بأسماء «عائدة» و«إيزيس كوبيا»، والكاتبة المصرية عائشة عبدالرحمن التي كتبت باسم «بنت الشاطئ»، والأديبة مقبولة الشلق التي نشرت باسم «فتاة قاسيون».

متخفون غربيون

لم يقتصر استخدام الأسماء المستعارة على الجانب العربي بكل القيود التي يفرضها، بل تعداه إلى الغرب، وإن اختلفت أسباب اللجوء إلى هذا الخيار، ففولتير مثلا لم يرد أن ينسب لعائلته أو أبيه، وأراد جان باتيست بوكلين النأي عن عائلته البرجوازية باستخدم اسم «موليير».

في المقابل ضغطت عادات المجتمع في القرن التاسع عشر على الأديبات الغربيات فلجأت الفرنسية أورور دوبين لاستخدام اسم قريب من عشيقها «جورج صاندو» وكتبت باسم «جورج صاند»، كما كتبت «ماري إيفانز» باسم «جورج إليوت».

مشاهير استخدموا أسماء مستعارة

- الوزير محمد سرور صبان (أبو فراس)

- الأديب محمد سعيد العمودي (ابن رشيق)

- الإعلامي أحمد عبدالغفور عطار (الجاحظ)

- هاشم دفتر دار (أبو يعرب)

- محمد عمر توفيق (راصد)

- محمد حسن عواد (أريج نسرين)

- حمزة شحاتة (خنفشي)

- سيف الدين عاشور (جرير)

- محمد سعيد عبدالمقصود (الغربال)

- حسن صيرفي (أشعب)

- الأستاذ صالح الحيدري (تأبط شراً)

- عبدالله الجميلي (ضمير مستتر)

- طاهر زمخشري (وحيد)

أسماء مستعارة غلبت الحقيقية

- الفرزدق ـ الشاعر همام بن غالب بن صعصعـة التميمي

- صريع الغواني ـ الشاعر مسلم بن الوليد

- تأبط شرا ـ الشاعر ثابت بن جابر

- ديك الجن ـ الشاعر عبدالسلام بن رغبان الحمصي

- فولتير ـ الكاتب الفرنسي فرنسوا ماري أرويه

- موليير ـ جان باتيست بوكلين

- جورج صاندو ـ الفرنسية أورور دوبين

ـ جورج إليوت ـ الكاتبة ماري إيفانز