هل من الممكن أن تفهمني؟

هذا الاستفهام المفعم بالإحباط والأسى صادفني ذات مرة، فاستثارني لأشد رحال الفكر في ركابه وعندما حاولت أن أبحر في ثنايه استوقفني آخر يقول:

ألا تعلم أني مثلك إنسان... كتلة من المشاعر والأحاسيس؟!

إن فهم الآخرين وتقديرهم لنا يريحنا ويشعرنا بالسعادة والحب، وهو ما يدفعنا للسير قدما في دروب هذه الحياة ومسالكها الوعرة، فالإحساس بأن الآخرين يقدروننا ويفهمون ما نقوله وما نفعله، أمر مهم للوصول إلى مستوى مرضٍ يشعرنا بالسعادة والأمان والرغبة في هذه الحياة، وأما عكس ذلك فإنه إحساس يولد الأسى وارتفاعا في مؤشرات الهموم، ويقود نحو مزيد من الضغط الذي يرمي بنا في دوامات لا تنتهي، فيكسر كل مجاديف الأمل والتفاؤل داخلنا، ويوصلنا إلى حد الشعور بالإحباط والوحدة ثم عزلة تضيق علينا الدنيا فيها بما رحبت.

ومع تفاقم ضغوط الحياه واشتداد قسوتها وصعوبتها فإن حاجتنا تزداد إلى من يراعي الجانب النفسي.

لقد طالعت بحثا بعنوان «علم الأعصاب الاجتماعي المعرفي والعاطفي»، كنت قد وجدته على صفحات العم جوجل، كان يتحدث عن علم الأعصاب الاجتماعي المعرفي والعاطفي و يوضح كيف يزيد الشعور بالفهم من الرفاهية الشخصية والاجتماعية.

جاء ذلك البحث حينها على الجرح واستحوذ على اهتمامي، فتدرجت فيه رغم أني ما كنت يوما لأتخيل نفسي قارئاً أو مهتماً في علم النفس، فكيف بالخوض في بعض شؤونه فالحياة بعمقها وقسوتها تكفي ويكفي ما بها من ضغوط.

لقد أكد ذلك البحث حقاً أننا بحاجة إلى من يفهمنا ويقدرنا، لا من يستغلنا ويقهرنا.. إننا نحتاج إلى من يقدرنا ويشجعنا ليرفع من معنوياتنا، ويزرع بذلك روح التفاؤل والطمأنينة لكي نتقدم ونواصل العطاء، فنحن بشر، كتلة من المشاعر والأحاسيس؟!

نحتاج إلى من يفهمنا ويقدرنا لا من يستنزفنا ويقهرنا.

لكي نقدم ونتقدم ونواصل العطاء نحتاج إلى بعض الوفاء.

إن الحب والتقدير الذي نجده ممن حولنا هو بمثابة إكسير الحياة الذي يمدنا بالطاقة للمواصلة وحتى المقاومة أحياناً.

صحيح أن الحياة مع الله وأنه علينا أن نعمل لوجه الله ونحتسب في ذلك، ولكن خلق الله في الأرض شهودا، بهم يحسن أو يقصر المردود.

إنهم الأسباب بين أقرباء وأصدقاء وأحباب، لذلك ففهم الآخرين لنا يريحنا أكثر ويشعرنا بالحب والتقدير ومدى تأثيرنا في الحياة يعتمد بشكل أو آخر على كيفية فهم الآخرين وتقديرهم لنا، على ألا نغفل أو نتجاهل مدى أهمية فهمنا لأنفسنا قبل ذلك، فكلما فهمت نفسك وفهمك الآخرون كنت على قدر المسؤولية وساهمت بشكل فعال في نجاح وتميز المنظومة والعكس صحيح، حتى وإن تخلل ذلك بعض الشعور بالوحدة واليأس أحيانا لا تستسلم، وجاهد في سبيل الوصول إلى هدفك، ليبقى العلم الأكيد أني بشر مثلكم، لي قدر ولي طاقة أحتمل وأتحمل وأحب أن أتجمل لكن لي حد، إن امتد فاحضروا منه ما قد يرتد.

إن لم تفهمني كيف سيدوم الحب؟!

وإن لم تقدرني فكيف سيستمر العطاء؟!.