يتحدث الدكتور عبدالعزيز الثنيان في كتابه الصغير الجميل (سنوات في مجلس الشورى) عن علاقته بالشيخ محمد بن جبير - رحمه الله - ، أول رئيس لمجلس الشورى، يقول في حديثه عنه: إنه رجلُ ذو وقار وعلم، هدوؤه أعطى المجلس في بدايته دفعة كبيرة للأمام، حيث إنه ذو شخصية رائدة وقوية، ويسعى بشكل دؤوب لتطبيق الأنظمة والتعليمات، كما أن له القدرة الفائقة على تحمل المسؤوليات. ويضيف بأن أهم ميزة فيه: أنه جمع العلم الشرعي مع القدرة على استيعاب الأفكار الوافدة، دون إخلال بمبادئ الشريعة الإسلامية. يضاف لذلك كله تواضعه وتدينه، ودماثة خلقه.

أما الدكتور فالح الفالح، فيقول في (كتابه حياة في الطب) عن ابن جبير خلال تجربته الشورية: إنه شخصية استثنائية ذات وزن عال بين كثير من أبناء الجيل السعودي المتعلم والمتسلم مواقع عديدة من التنمية الشاملة، ابتداءً من عهد الملك فيصل مروراً بالملك خالد والملك فهد. كما أن له رصيداً كبيراً من الاحترام والمصداقية صنعتها سيرته كقاضٍ ثم رئيساً لديوان المظالم ثم وزيراً للعدل.

ويضيف الدكتور الفالح: أن ابن جبير شخصية فذة في تعامله ونظرته للأمور، وذلك يرجع لعمق تجربته، ولقيادته الحازمة المؤهلة شرعياً ومنهجياً.

ويتفق الدكتوران عبدالعزيز وفالح، على أن الجبير يعتبر قائدا واعٍيا وله عمق معرفي وشرعي وسياسي، مغلف بطيبة وتواضع وتسامح ما جعله شخصية قابلة لاحتواء المختلف بكل هدوء ومهنية.

كما يتفقان (وهذا الذي شدني، ورسخ في ذهني عن هذا الرجل، بعد قراءتي للكتابين) على أنه كان عامل الضبط والتوازن بين اندفاع بعض الأعضاء في التجربة الشورية الأولى، وبين محاولة تهميش بعض الوزراء للمجلس ولأدواره التي يقوم بها. كان يقول حينها لبعضهم: مجلس الشورى مولود طري وغضّ، ولا يحتمل أن يُقسى عليه. هوّنوا على أنفسكم، وسوف يأتي اليوم الذي تنضج فيه التجربة، ويشتد فيها عود الوليد، وحينها سيكون لكم معه شأن آخر.

يذكر أحمد العساف في مدونته التي كتبها في سبتمبر 2019 عن ابن جبير، أنه امتاز بالكتمان والوقار، وزاد القضاء من منسوبيهما فيه. يقول عنه: إنه ينصت بإصغاء واهتمام لمحدثيه، ويتيح الفرصة لأي مداخلة حتى لو كان يرفضها في داخل نفسه. كما أن لديه القدرة على امتصاص المواقف مهما كانت حرجة، ولذلك فهو يجنح غالباً للصمت في كثير من النقاشات؛ إلا ما يداخل فيها من أجل إثراء النقاش وإنضاجه. كان يقول: (صدري في مثل اتساع الربع الخالي) وعلى ذلك صدقت أفعاله أقواله.

في موقف له في زيارة رسمية للصين، أبدى أحد أعضاء مجلس الشورى تضايقه من أن من يخدم الوفد في مطعم الضيافة نساء تظهر ملابسهن جزءاً من أعالي سيقانهن، فكان رده أن غض البصر هو الحل في مثل هذه الحالة، وأنهم ضيوف على بلد لا يرى في دينه وعاداته مانعاً في إظهار ما يعده المسلمون عورة.

الحقيقة، أنه لو لا الرغبة في عدم إطالة المقالة، لكتبت لكم أبرز ما نُقل عن هذه الشخصية الفذة والعظيمة، والتي لم تأخذ حقها من البحث والتدوين والكتابة، ولعل معالي رئيس المجلس، الدكتور عبدالله آل الشيخ يدفع الجهود لجمع ما دونه المجلس، وبعض أعضائه حول سيرة هذه الشخصية، ومن ثم نشرها وإعادة تدويرها للناس وللعامة عبر منصات الإعلام التابعة للمجلس.

فما أحوجنا جداً لإبراز مثل هذه السير العميقة الأثر في أوقات التقلبات السريعة.