ما بين متندر ومؤمن بصدقية ما يقول، ذهب الكثير من الأشخاص إلى وصف عام 2020 بـ«الأسوأ على مستوى البشرية»، كونه حمل في طياته الكثير من الأحداث المأساوية، تتصدرها قضية القضايا «جائحة كورونا». شاهدنا الكثير من الأشخاص يترقبون نهاية العام بفارغ الصبر، باعتقادهم أن الأحداث الصعبة قد تنتهي مع إشراقة أول أيام 2021، وكأن السبب الجوهري في كل ما يحدث هو عام 2020.

إذا افترضنا بأنه فعلا هو «الأسوأ» بعمومه، فماذا عن 536م، الذي كان عام الظلام الدامس بسبب الضباب الغامض، وتسبب في تساقط الثلوج بالصين، وتلف المحاصيل على مستوى القارة، وأدى إلى الجفاف الشديد والمجاعة والأمراض في معظم أنحاء نصف الكرة الأرضية الشمالي، فبراكين ومجاعة وانتشار مرض الطاعون وغيرها. ماذا لو كنت ممن عاصروا الحربين العالميتين والاستعمار وحروب الاستقلال منه. ماذا لو كنت أحد المقيمين بمدينة «هيروشيما» أو«ناجازاكي» في 1945. ربما كان لشبكات التواصل الدور الكبير في تضخيم السوداوية، فماذا لو كانت هناك شبكات تواصل إبان الحروب العالمية؟

قد نضع سنة 2020 في تقويم السنوات السيئة، لكنها ليست الأسوأ، لعدة اعتبارات، منها أن هذه الجائحة لم تكن وليدة هذا العام بل كانت من تبعات 2019، وكثير من خطوات انتشارها كان في خواتيم العام الماضي، ومن ثم يجب علينا أن نشكر 2020، لأنها أعادت لنا جزءا من ملامح الحياة البسيطة بعيدا عن الحياة المادية الديناميكية، فلولا هذه الظروف لما استطاع الكثير من أرباب الأسر الاقتراب من أبنائهم، وتزايد أواصر التقارب العائلي الذي كان من الصعب أن يتحقق لولا تلك الظروف. كما شكل العام فرصة مثالية لتأمل الحياة بزاوية مختلفة، متمثلة في استشعار النعم المحيطة بنا التي كنا نعتقد أنها أمور بديهية حتى فقدناها.

كما أن هذا العام حمل في جعبته باقة ورد مجتمعية لكوادر عمل لم نكن نعرف جهودهم العملية وحجم المنغصات والمتاعب في عملهم، وفي مقدمتهم الكادر الطبي الذين كانوا بالمرصاد في خط الدفاع الأول، وسقط منهم الكثير من الضحايا في الجائحة.

نضيف لذلك ما حمله عام 2020 من تحولات تقنية، واعتماد شبه كامل عليها، وبشكل متسارع لغالب فئات المجتمع، فما كانت تحتاجه المجتمعات لعقود في الرقمنة والأتمتة تم خلال أشهر بسيطة. وحمل العام رسالة قوية لمدى قوة البنية التحتية التقنية، ومدى سهولة الكثير من الإجراءات الرقمية بعيدا عن التعقيدات السابقة. في الإطار نفسه، تنامى وبشكل لافت مفهوم التعليم الذاتي سواء في الأوساط العلمية أو بشكل عام، حيث تعززت قدرة الأشخاص على تعليم ذواتهم، وتنمية قدراتهم وحصيلتهم المعرفية واكتساب المهارات.

طبيا، وهو الأبرز، تسابقت مراكز البحوث، للبحث عن لقاح للجائحة، وأصبح هناك تنافس عالمي، طبيا وعلميا، نحو ذلك، في أمر نادر الحدوث أن تتوحد تلك الجهود، لعلاج أزمة صحية، ففي عام المرض وجد اللقاح.

محليا، كانت هناك سلسلة من الإنجازات المتلاحقة في الأصعدة كافة، ابتداء من النجاح الباهر في استضافة قمة العشرين، مرورا بأسواق النفط والإدارة المميزة صحيا في مواجهة الجائحة، وحجم التعاطي الأمثل من قبل الجهات الحكومية كافة مع الأزمة، لتعكس حجم تطورها ومدى جاهزيتها في مجابهة أي ظروف. حتى في الاستثناء، أكدت المملكة أنها استثنائية في نجاحاتها، وذلك من خلال التميز في تنظيم موسم حج بلا انعكاسات صحية سلبية. ولا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل نقطة غاية في الأهمية، المتمثلة في المراهنة على وعي المواطن من خلال اتباعهم التعليمات الاحترازية بشكل فائق التميز.

«درِّب نفسك على استشعار النعم في كل شيء».