تأسس مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ 39 عامًا، في 25 مايو من عام 1981، في أبو ظبي، بعد اجتماع قادة دول الخليج العربية، لاستشعارهم بأهمية وجود كيان مؤسسي يجمع شملهم تحت مظلة واحدة، لتجتمع فيه الجهود وتنسق خلاله السياسات بما يعزز من قوة ومكانة دوله مجتمعة، وتم الاتفاق على أن تكون الرياض مقرًا لأمانة المجلس ومركزًا رئيسًا لإدارة شؤونه المشتركة في مختلف المجالات، بما يخدم مصلحة الأخوة جميعهم، ويضاعف من وزنهم السياسي الإقليمي والدولي.

لم يكن تأسيس المجلس ابتداعًا غير مسبوق في التوجهات الدولية؛ وإنما كان نموذجًا يحاكي عددًا من التجمعات والاتحادات الإقليمية والدولية، التي تشكلت لأهداف مختلفة، منها العسكري، ومنها الاقتصادي والسياسي، ومنها الذي يحتوي ذلك جميعه تحت مظلته، كحلف شمال الأطلسي، والكوميكون، ودول السوق الأوروبية المشتركة، ودول الاتحاد الأوروبي، ومنظمة الاتحاد الأفريقي، وغيرها من الاتحادات والمنظمات الإقليمية في أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا؛ جميع تلك التجمعات يجمعها هدف مشترك، وهو تعزيز قوتها ومكانتها الإقليمية والدولية.

تجمع التنظيمات الدولية على اختلاف مستهدفاتها ومواقعها، بين دول تتباين في أحجامها وإمكاناتها ومقدراتها الطبيعية والبشرية والاقتصادية ووزنها السياسي وقوتها العسكرية، وبتلك التنظيمات تجتمع المقدرات والإمكانات ليتراكم تأثيرها وتتعزز قوتها ويثقل وزنها على المستوى الدولي، فينعكس على مكتسبات شاملة لجميع دول المنظومة المكونة لذلك الكيان، بما يقوي من شوكتها ويعزز من إمكاناتها بالتكامل المؤسسي، وبتوحيد الجهود وتنسيق السياسات فيما بينها، واستثمارها في تبني مواقف موحدة وتوجهات مشتركة تجاه التحديات الإقليمية والدولية، ليستفيد منها الجميع.

نجاح التنظيمات الدولية على اختلاف أهدافها، تحكمه مرتكزات أساسية تستند إلى مقومات مؤسسية تنظيمية وتطلعات مشتركة، علاوة على ضوابط أخلاقية وثوابت ترتكز إلى تغليب المصلحة العامة على الخاصة، وإلى رؤى عميقة تُؤثِر مصلحة الشعوب وتنميتها كخيار إستراتيجي لتوجهاتها، في إطار من العلاقات التكاملية والتعاونية بينها، لترتقي من التعاون إلى الوحدة، لتلتقي فيها التطلعات والأهداف البعيدة المدى والقريبة، في كيان أكثر قوة وأشد متانة وأعظم تأثيرًا وثقلًا.

هناك الكثير من العوامل المشتركة والمقومات الأساسية التي تدعم قوة مجلس التعاون الخليجي، وتدفع دوله نحو تطوير أدائه وتنظيمه، إذ تُعد الأرضية المشتركة في شبه الجزيرة العربية، وتجاور الموقع الجغرافي لدوله، والتاريخ المشترك، وتداخل العلاقات الاجتماعية وتشابكها بين السكان، والتشابه في البنية الاقتصادية وهيكلها التنموي، سببًا في وحدة التطلعات الوطنية والأهداف الإقليمية نحو مواجهة التحديات المشتركة التي يفرضها الواقع الجغرافي والأمن الإقليمي.

تتنافس الدول الكبرى، والدول التي لها أهداف توسعية أو نزعات لهيمنة اقتصادية أو سياسية أو عسكرية، في استقطاب واحتواء الدول التي تتمتع بمميزات أو مقومات تحقق خلالها أهدافها الإستراتيجية؛ بما يخدم وجودها القوي خارج حدودها، ويُسهم في تحقيق مكاسبها لتعزيز مكانتها الدولية، على حساب أمن واستقرار تلك الدول ذات المميزات المستهدفة، لزعزعة كيانها وتفكيك لحمتها الإقليمية وتحقيق مصالحها الخاصة، وذلك بعد أن أخذت الهيمنة والسيطرة طابعًا جديدًا ونموذجًا محدثًا في العلاقات الدولية، بما يناسب تطور المفاهيم السياسية والإستراتيجيات المعاصرة وحقوق الإنسان في القرن الحادي والعشرين.

أنجز مجلس التعاون في مسيرته لـ39 عامًا، الكثير من المستهدفات التي بلورتها إستراتيجيات تنموية واقتصادية وسياسية وأمنية مشتركة، وتُعد وثيقة الإستراتيجية السكانية لدول مجلس التعاون، ووثيقة إستراتيجية التنمية الشاملة المطورة لدول المجلس، والإستراتيجية الإحصائية الموحدة، من أحد أهم الإستراتيجيات التي أفرزها مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بما تضمنته الإستراتيجيات من محاور ومستهدفات تفصيلية، شملت التطلعات التنموية والسياسات السكانية المطلوب تنفيذها في دول المجلس، للنهوض بدوله تنمويًا ومعالجة تحدياته المتشابهة، في إطار من السياسات المشتركة والخطط الشاملة والمتكاملة، لتحتوي مختلف مقدراته وإمكاناته، وتكون مكتسبات تنعكس إيجابياتها على جميع دوله.

تفعيل تنفيذ محتوى تلك الإستراتيجيات السكانية والتنموية، بما تضمنته من تفاصيل ومحاور احتوت مختلف تطلعات التنمية المستدامة لسكان دول المجلس في ضوء معاييرها الدولية ومستهدفاتها الشاملة؛ سيسهم في تحقيق نقلة نوعية تنموية لجميع دول المجلس في كافة مقدراتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية، لتكون مكتسبات حقيقية تترجم حجم وقيمة تلك المقدرات المادية والبشرية بوزنها الفعلي ووجودها القائم، وذلك بعد سنوات من التنمية والإنفاق السخي الذي شهدته جميع دول المجلس، لتنهض بشعوبها وتسجل بمكتسباتها مكانة دولية تعزز من قوة مجلس التعاون وتدفع به إلى الوحدة المنظورة.

بلورة المكتسبات الخليجية لمنجزات حقيقية ملموسة، وبشواهد وطنية وخليجية مشتركة؛ سيعالج ويحد من التحديات المختلفة التي تواجهها دول المجلس، سواء على الصعيد الداخلي التنموي، أم على الصعيد الخارجي والعلاقات الدولية مع دول الجوار المتربصة، والدول الأخرى التي تستهدف تفكيك لحمة هذا الكيان الخليجي، لإضعافه وتفتيت قوته المشتركة، ليكون تابعًا لها ومنفذًا لتطلعاتها، بدلاً من أن يكون متبوعًا كقوة إقليمية تستحق أن يكون لها وزن وقيمة دولية تليق بها.