المتغيرات بكل أشكالها وأنواعها سنن طبيعية تمر بها المجتمعات الإنسانية، وأصح المجتمعات من يواكبها بمرونة وتقبل يتماشى مع المستجدات دون أن يؤثر في أساس البناء المجتمعي أو يغير من سماته الأصلية.

فرص العمل بوظائفها الرسمية سواء في القطاعات الحكومية أو القطاع الخاص، هي كغيرها تخضع لمستجدات مستحدثة حسب تبدل الظروف والمتغيرات العامة التي تفرض على سوق العمل أن يطور من نفسه بما يواكب هذا التغير، وذلك إما بتحديث أنظمته أو باستحداث فرص عمل جديدة لم يكن متعارف عليها من قبل، ما يهمني هو مناقشة أثر هذا التغير وتحديدا في مجالات العمل داخل وطني، الذي لفحه بعض من نسائم التغير التي هبت رياحها على العالم كله.

كلنا نعرف أن نسبة الأطفال والشباب تشكل الفئة الأكبر من التركيبة السكانية للمملكة العربية السعودية..الذين لهم أحلام وآمال وطموحات شخصية عالية، تنتظرهم مسؤوليات اجتماعية تقوم عليها حياتهم الشخصية في المجتمع الذي يعيشون فيه، بالإضافة إلى ذلك تنتظرهم أيضا مسؤوليات وطنية، إذ يُعول عليهم بشكل كبير في تحقيق التنمية واستدامتها في كل المجالات، وبمقارنة بسيطة بين ما قبل وما بعد، ولو رجعنا لعقود من الزمن نجد أن الوظيفة الحكومية كانت سهلة ميسرة تنتظر أصحاب الشهادات الذين كان حجم الطلب الوظيفي قادرا على استيعابهم جميعا لمحدودية أصحاب الشهادات العليا - إلى حد -، بالإضافة إلى وفرة الأماكن الوظيفية الشاغرة في تعداد سكاني كان يمشي بتوازن مع قدرة سوق العمل على استيعاب أعداد الخريجين، في مجتمع كان يعمل بجد لبناء بنية تحتية قوية، ما زلنا وسنبقى بإذن الله نشكر من أسسها على إخلاصهم في عملهم الذي اختصر لنا الكثير، لنكون بفضل الله ثم بفضلهم فيما نحن عليه الآن، أما الآن فالوضع مختلف، التعداد السكاني تضاعف بشكل كبير، وأعداد أصحاب الشهادات أصبحت نسبتهم كبيرة جدا وبفئات عمرية لها حقوق مشروعة في تحقيق أمان وظيفي يجعلها قادرة على العطاء على أكمل وجه، ولكن اتساع الفرص الوظيفية في القطاعين الحكومي والخاص أصبح أضيق بكثير من دخول كل هذه الأعداد من أبوابه التي مهما اتسعت فلن تكون قادرة على استيعابهم، إن لم نحدث من آليات العمل ونطور في أنظمته وقوانينه، ونبحث عن أبواب رزق جديدة لم تكن في الحسبان من قبل، وبمرونة تساعد الشباب على الابتكار والعمل والإنتاج. ونضيف إلى ذلك دخول المرأة في مجالات عمل كثيرة لم تكن تستطيع أن تدخلها سابقا، فأصبح دورها في إنماء المجتمع فاعلا بقوة بفضل الله ثم إيمان القيادة -حفظها الله- بها، ودعمها لها يجعلنا نعيد النظر كثيرا لنستطيع أن نستوعب حجم الطموح الوطني والمجتمعي، ونحتوي الطاقات الشبابية المندفعة نحو العمل المختلف بروح وفكر شبابي جديد يعود بالفائدة على الأفراد والجماعات المؤسسية والمجتمع، بما يصب في مصلحة الوطن ويحقق رؤيتنا الواعدة وطموحنا الذي يعانق السماء.

شبابنا اليوم يعمل في مجالات غريبة علينا، أصبحنا نرى مناديب توصيل، موظفي كاشير، مبدعين في مجال الطبخ والأزياء والفن بأنواعه، مرشدين سياحيين، موظفي استقبال وغير ذلك كثير، ما يجب علينا أولا هو تغيير تفكير المجتمع لنفرح بهم ولنرتفع بقيمة من يعمل بهذه المهن بالنظر إليه كشخص ذي فائدة، وبحس مسؤولية مرتفع جدا، واجب علينا أن نترفق بهم ونشجعهم ونحميهم من خلال حماية وظائفهم من دخلاء يفسدون أكثر مما يصلحون، مما قد يتسبب في توترات وحملات رأي عام تفسد انطلاقهم وتعطل نضج ثمار جهودهم، وهنا يأتي دور الجهات الرقابية المسؤولة لتتصدي لمن يحاول أن يعبث بسلامة تلك الأعمال النظيفة، لتخرج تفاحهم الفاسد من صندوق العطاء والنماء الذي لن يعطب ما دام هناك مجتمع يدعم ومسؤول يحرص وقوانين مرنة، فيما يحتاج المرونة، وصارمة فيما يحتاج بعد الله لحماية الحقوق وحفظها.