في منزلنا، نستضيف لأيام خمسة من الأسبوع، أبا معاذ، وهو شقيق مصري عزيز ليعطي لأطفالي الصغار دروسا خصوصية بعد أن استوردنا هذا المصطلح بالتحديد، وعفوا من الثقافة المصرية التربوية حين تحولت مدارسنا، للأسف الشديد، إلى مجرد خيمة يستظل بها أطفالنا من الصبح حتى الظهر. أبو معاذ هو الوجه المصري الحقيقي لثمانين مليونا من الأوفياء الشاكرين الذين تقاسمنا معهم الملح والسكر وعندما تستمع إلى النقائض على منابر الإعلام المصري الشقيق تشعر أن هؤلاء ليسوا بمصر. وعلى كوب الشاي وقطع الفطائر تأملت وجه – شقيقي – الغالي مع تلك الوجوه التي حضرت بصحبة حافظ الميرازي (مذيع الجزيرة والعربية) السابق، وهو يتجاوز أبجديات العرف الإعلامي متحدثا مع عشرة من آباء وإخوان بعض المعتقلين المصريين في المملكة ليستعرضوا قصصا خيالية ولكن في غياب الرؤية المقابلة. تأملوا ما يلي: مصري يدافع عن احتجاز أخيه لعامين بتهمة التخلف بعد أداء العمرة. هذه هي كل التهمة ولو أننا أدخلنا السجن كل متخلف عن الرحيل لكان في سجوننا اليوم ملايين خمسة. أم تقول إن ابنها لخمس سنوات في سجن – الدوادمي – والتهمة أنه نقل لحوم التموين في (عربية ملاَّكي) بدلا من سيارة النقل المخصص وأنه يعذب يوميا بالربط من رجليه في سقف الحجرة. ثالث يقول إن أخاه في السجن للسنة السادسة لمجرد أنه كتب مقالا وحيدا عن – أميركا والعراق – وهنا (حدِّث العاقل) فعلى هذه التهمة سنكون بحاجة لربع الربع الخالي من سجناء المقال الواحد. رابع يقول إن ولده للعام الرابع في السجن لأنهم وجدوا في حاسوبه المنزلي (لاحظوا المنزلي) أناشيد جهادية.

والخلاصة أنها قصص من أفلام الرعب ولكن بأسلوب كارتوني وحبكة بدائية لبرنامج حاول أن يدين سلطات هذا البلد فإذا به يحاكم بعض العقلية المصرية على هذه الخزعبلات وكل ما ذكرته موثق منشور – بتوقيت القاهرة – مساء الجمعة. باختصار: هم لا يريدون أحدا في السجن مهما كانت الجريمة لأنها كلها مقالات وأناشيد وقيادة لعربة خاصة أو تخلف عن الرحيل. هم يتجاهلون الحقيقة أن بيننا اليوم مليوني مصري بينهم 800 سجين وهي معادلة رقمية لا تتطابق مع مقاييس العقل فحسب من حيث النسبة والتناسب، بل هي أدنى من نسبة الفطرة الإنسانية بين الأسوياء وأصحاب الجنح.

نحن 20 مليون سعودي بالتقريب ومن بيننا خمسون ألف سجين ولكم أن تقرؤوا فوارق النسبة. باختصار هم لا يريدون أحدا في السجن مهما كانت الجريمة وانظروا ما يقوله مرشح الرئاسة المحتمل حمدين صباحي وبالحرف (لو كنت رئيسا لأرسلت طائرة للسعودية وإذا كان الجيزاوي بريئا يعود عليها وإن كان مذنبا... برضه يرجع عليها... لأن دي مصر.. دي مصر). أتفهم جدا ان يعود على الطائرة إن كان بريئا ولكن كيف أفهم أن يعود عليها إن كان مذنبا... وفقط لأنها مصر. أتفهم أن يصدر هذا القول من بلطجي في الشارع ولكنني لا أفهم أن يقوله وبالحرف الواحد مرشح رئاسي لدولة القانون والديموقراطية. أتفهم أن يعيش بيننا من الإخوة من مصر مليونا شقيق وأخ ولكنني لا أفهم أن يظن واحد أنهم كلهم ملائكة أبرياء: ذلك شيء ضد الفطرة الإنسانية.