أطلق عليها المؤرخون لقب (أول معلمة في الإسلام) فقد تعلمت القراءة والكتابة، وعلمتها لنساء المسلمين وأمهات المؤمنين، وكان ممن علمتهن (الشفاء) حفصة بنت عمر، زوج الرسول عليه الصلاة والسلام بناء على طلب الرسول نفسه.

قالت الشفاء: دخل علي رسول الله وأنا عند حفصة فقال لي: عليك أن تعلميها رقية النمل كما علمتها الكتابة.

والعلاج بالرقي كان معروفا عند العرب قديما وإنما نهى الرسول عن رقية الجاهلية، لأنها تتضمن ذكر الأصنام، ويعتقدون أن الرقية ذاتها التي تشفي المرضى، أما الرقية التي تكون بالقرآن الكريم أو الدعاء والاستعاذة بالله عز وجل فقد أذن بها الرسول عليه الصلاة والسلام.

وكانت الشفاء بنت عبدالله ترقي في الجاهلية فلما أسلمت وهاجرت قالت للرسول: كنت أرقي في الجاهلية وقد أردت أن أعرضها عليك.

فقال فاعرضيها فعرضتها فسمح لها رسول الله أن ترقي وأن تعلم رقيتها زوجته حفصة.

وكانت الشفاء من عقلاء النساء وفضلياتهن أقطعها رسول الله داراً في المدينة فنزلت فيها مع ابنها سليمان، وكان الرسول يزورها ويقيل عندها، وقد أعدت للرسول إزارا وفراشاً ينام عليه وقت الظهيرة. وقد بقيت هذه الآثار النبوية عند ولدها حتى أخذها مروان بن الحكم، وكان واليا على المدينة للأمويين يومذاك.

وروى عنها سليمان قولها: دخل علي رسول الله وعندي رجلان نائمان تعني زوجها أبا حثمة وابنها سليمان (فقال أما صليا الصبح؟

قلت: لم يزالا يصليان حتى أصبحا فصليا ثم ناما فقال: (لأن أشهد الصبح في جماعة أحب إلي من قيام ليلة) وكان ابنها سليمان من فضلاء المسلمين وصالحيهم، استعمله عمر على السوق، وجمع عليه الصلاة في قيام رمضان.

وكان عمر يقدر في الشفاء عقلها وحسن تصرفها، ويقدمها في الرأي ويرعى شؤونها، ومع كونها من قومه بني عدي فإن هذه الصلة والقرابة لم تحمله أن يميل عن سبيل العدل. قالت الشفاء: أرسل إلي عمر بن الخطاب (أغدي علي) فغدوت عليه فوجدت على بابه (عاتكة بنت أسد) فدخلت وتحدثنا ساعة فدعا بنمط فأعطاه عاتكة، وأتى بنمط آخر دونه فأعطانيه، فقلت: يا عمر أنا قبلها إسلاما وأنا بنت عمك وتعطيني دونها وأرسلت إلي، وأتتك من قبل نفسها؟ فقال ما كنت رفعت ذلك إلا لك.. فلما اجتمعتما تذكرت أنها أقرب إلى رسول الله.

وكانت الشفاء ترى في عمر المسلم الصادق، والقدوة المثلى في الصلاح والتقوى والعدل.. رأت فتيانا يقصدون في المشي، ويتكلمون رويدا فقالت: ما هذا؟ فقالوا: نساك، قالت الشفاء: كان والله عمر إذا تكلم أسمع، وإذا مشى أسرع، وإذا ضرب أوجع.

وبمناسبة الحديث عن (أول معلمة في الإسلام) لا بد من الإشارة هنا إلى أن العرب قد عرفوا الكتابة والقراءة منذ القدم، وكانت هذه المعرفة المحدودة منتشرة في اليمن والعراق، وقد نقل الكتابة إلى مكة (حرب بن أمية، وأبو قيس بن عبد مناف) وانتشرت بين رجال مكة ونسائها، وكان عند ظهور الإسلام زهاء سبعة عشر رجلا يقرؤون ويكتبون، ثم تكاثر عددهم فيما بعد، واستعان الرسول عليه الصلاة والسلام ببعضهم في كتابة الوحي.

وكان هنالك في الطائف والمدينة المنورة كتاب وقراء ولكن من عرف الكتابة والقراءة من أهل مكة كانوا أكثر عددا لأنهم أصحاب رحلات وأسفار في سبيل التجارة، وقد جعل الرسول فداء أسرى قريش من أهل مكة في غزوة بدر أن يعلم أحدهم عشرة من صبيان المسلمين في المدينة.

وكما كانت (الشفاء) إحدى النساء المعلمات السابقات إلى معرقة الكتابة والقراءة قبل الإسلام، كانت كذلك من المهاجرات الأوليات إلى المدينة المنورة.