تعتمد قوة العلاقات بين البشر، ومدى تفاعلهم ببعضهم البعض، على عدة عوامل ومنظومات وأنماط للجماعات الاجتماعية، ذات دوائر واسعة حددها علماء الاجتماع، كالمنظومة الاقتصادية والسياسية والتربوية، ومنظومة الزواج والأسرة، وغيرها من المنظومات، وتزداد الحاجة لتوطيد تلك العلاقات وعمق تفاعلها، كلما انتقلنا للدوائر الخاصة أو تلك المنظومات والجماعات، التي تتسم بكثرة الاحتكاك بشكل دائم، وجها لوجه كمنظومة الأسرة والزواج، أو جماعة الأصدقاء والأقارب، والتي تتطلب قدرا وافرا من المشاعر التي تغذي وتعزز تلك العلاقات وتحافظ على ديمومتها، وهنا تبرز لدينا أهمية الحاجة للتعرف على بعض مهارات التواصل الاجتماعي، والتي بلا شك تؤثر بشكل كبير في تلك الروابط، وتزيدنا جاذبية وتجعلنا أكثر قبولاً لدى الآخرين، وأشخاصا مرغوبا بهم وبمجالستهم.

على سبيل التواصل الفعال هناك مهارة القدرة على التحدث، والتوقف عن الكلام في الوقت المناسب، فإياك أن تسترسل في الحديث ومتحدثك مشغول عنك، أو غير مهتم بما تقول، وستلاحظ ذلك من خلال تقاسيم وجهه ومدى تفاعله معك، وعندما يكون كذلك توقف فورا، وتذكر بأن الناس يميلون للاختصار، ويملون من الأحاديث الطويلة المسترسلة والقصص المستهلكة، الخالية من التشويق وبتفاصيلها المملة وغير الضرورية، كقول أحدهم باللهجة العامية «أتذكر قبل أربعين سنة بعت لي عنز عرجاء حمراء وكان علينا برد ومطر والخيمة مشققة وما تدفي وأذكر فلان كان صغير في المهاد وو..» !، أو كقول الآخر «ما أنسى حين كنت في أستراليا عام كذا وشهر كذا في الساعة والدقيقة كذا يوم كانت أختي فلانة مريضة في المستشفى وأمي مرافقة لها يوم زواج ولد خالي فلان تخرجت وحصلت على درجة الماجستير» !، تفاصيل ليست مهمة تبعد المستمع عن لب الحديث وفائدته، وكما يقال «زبدته»، ولاننسى أن العقلاء أيضاً يصغون ويستمعون أكثر، للشخص الصامت الهاديء المتزن، الذي يتكلم بشكل مباشر ويلخص فكرته، ويوصلها بسهولة ويعرف متى يتحدث ومتى يصمت، فهو يجذبهم أكثر من الثرثار المضطرب، الذي ينتقل من موضوع لآخر بسرعة البرق، دون أن يعطي الآخرين فرصة للحديث، ربما لحماقته أو لجهله وافتقاده لمهارة الصمت والاستماع، وذلك غالبا يجعل مجالسيه يقاطعونه ويلجأون لإسكاته.

وعلى سبيل التواصل تأكد عندما تبدأ بالحديث من أن من تحدثه في كامل تركيزه، يستمع إليك، وبإمكانك ذلك من خلال إلقاء كلمات وعبارات مفتاحية، كمدخل أو أسئلة استفهامية، تجعلك تبدأ في الحديث كقولك «يا فلان أنت معي» أو «تدري وش صار على كذا؟» وفي نفس الوقت يجب على المستمع الإنصات، وعدم الانشغال والتشتت بين مجالسيه، فذلك يعطيك كاريزما وشخصية وجاذبية وقبولا، ويطمئن محدثك بالاهتمام بما يقول فيسترسل، وتذكر أنك كلما حرصت على مقاطعته تقل جاذبيتك، وكلما انتظرت حتى ينتهي من حديثه لتتكلم تزيد تلك الجاذبية، وستكون أكثر جذبا وذا كاريزما شخصية راقية، عندما تصمت لثوان بعد انتهاء محدثك، لتأمل ما قاله وإشعارا منك لفهمك لما قال، لأن تحدثك بعده بشكل مباشر ربما يوحي له بأنك لم تفهمه، وكأنك تنتظر توقفه لتنطلق.

الحقيقة أن أكثر الناس يستعجل التحدث، لأن شهوة الكلام تحركه، ويعتقد بأن التحدث أفضل من الصمت الذي في نظره أنه أمر سلبي، ودليل نقص ومؤشر لوجود «نفسية» في الشخص، ولتوقعه المسبق بأن الآخرين سيسابقونه في التعليق والمشاركة!.

وهنا أتذكر أحدهم مخاطباً أحد الصغار في مجلس، ويحثه على الحديث مستغربا ومستنكرا صمته وعدم مشاركته، فتدخلت قائلاً مبتسما «الصمت حكمة يا أبوفلان»، وعن مهارة الصمت والاستماع أحيلك أيها القاريء الكريم، لمقال سابق كتبته عنها وعن أهميتها وثمراتها بتفصيل أكثر وهو بعنوان «حديث البطون».