بعد سنوات من القطيعة واتساع الفجوة بين دول المقاطعة وقطر، عادت المياه إلى مجاريها بعد القمة الخليجية الأخيرة. القطيعة كانت لها أسبابها المنطقية، التي جعلتنا نلجأ إليها مجبرين، كي نقف بوجه دول المصلحة التي أرادت أن تتغلغل في المنطقة، وتزحف إليها من داخل الخليج نفسه، لاوية أذرعنا بقطعة منا وجزء لا يتجزأ من خليجنا الواحد، الذي لا يقبل القسمة على اثنين.

ولكن خليجنا النقي الطاهر محمي من رب العالمين، ثم بحكمة وجهود القادة الكبار، الذين لن يدخروا جهدا في سبيل المحافظة على وحدة الصف الخليجي ولحمته. رأينا ذلك من خلال الجهود الجبارة، التي قام بها الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير الكويت الشقيقة، رغم مرضه وتعبه، والذى كنا نتمنى أن يفرح بنجاح مساعيه لولا أن الله اختاره إلى جواره، ولكن تبقى بركات الله حاضرة بجهود الشيخ نواف الأحمد الصباح.

في العلا تصافحت الأيادي الخليجية على مواثيق ترسم ملامح جديدة للخليج، تضمن بحول الله استمرار قوته السياسية والاقتصادية، وتحافظ على متانة نسيجه الاجتماعي المنسوج من أصول مشتركة، ودم واحد وعلاقات اجتماعية قائمة على النسب والمصاهرة، ليس من مصلحتنا الاجتماعية أن تتمزق. ومن العلا عادت الدماء إلى شرايين جف جريان التواصل الحدودي جوا وبرا وبحرا بينها وبين قطر، وعاد حراك الأشقاء الستة في كل المجالات دون نقصان، وعاد الخليج والعود أحمد إن شاء الله.

الصلح خير ولكن الأمر لن ينتهي هنا، فما بعد المصالحة مهم جدا، كي لا نعود لنقطة البداية من جديد، والفيصل في استمرار العلاقات هو الالتزام بمخرجات البيان الختامي للمجلس، وتفعيلها بشكل يليق بأهدافها السامية، التي سترمم أي تصدع طال البيت الخليجي، وتقوي من أساساته بشكل يصعب على أعدائه إيجاد ثغرة فيه، ليتسرب خبثهم إلينا مكونا أرضية سهلة يصلون من خلالها لأطماعهم.

هذا البيان هو الغيث الذي سيمطر الخليج بأمر الله خيرا، ويحافظ على أمنه، ويرتفع بمنسوب مكانته ومصالحه داخل حدود الخليج وعلى الخارطة العالمية.

ولكن لنضمن استمرار مفرزات النماء لهذا البيان، علينا أن نصم آذاننا عن كل مرتزق، يحاول أن يصنع له منبرا إعلاميا ينفث من خلاله سمومه، تجاه مواثيقنا ومعاهداتنا التي تتعارض مع مصالحه.. فمياه الخليج صافية نقية، تحمل في أعماقها كنوزا من خيرات، إن حافظنا عليها ممن يرمي شباك أحقاده لاصطياد مصالح شخصية أو سياسية أو اقتصادية.

الوفاء طبعنا الذي تعلمناه من ولاة أمرنا وقادتنا، والذي ظهر بشكل جلي في وفاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في تسمية القمة، بقمة السلطان قابوس والشيخ صباح. والحب والتسامح وعدم الوقوف في وجه المصلحة الخليجية، هو ما تسعى إليه قيادتنا حفظها الله، وهذا ما رأيناه في ترحيب سمو ولي العهد محمد بن سلمان بالشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وردة فعل أمير قطر التي أذابت الجليد بحرارة اللقاء.

أدام الله علينا وحدتنا الخليجية، وأبعد عنا كل حاقد، وجعل في اجتماعنا في العلا طريقا إلى العلا.