بعد نحو 100 عام على أول مشاركة للبنوك الأوروبية بالمصرفية الإسلامية في عشرينيات القرن الماضي، عندما تم السماح للبنك الوطني الهولندي بإنشاء فرع في جدة لتقديم خدمات الصرافة للحجاج من إندونيسيا الهولندية، أشارت دراسة حديثة إلى أن لندن باتت تحمل لقب الريادة عالميا في مجال المالية الإسلامية، وإحدى المراكز الريادية للتمويل الإسلامي خارج العالم الإسلامي، ضمن عدة دراسات صدرت مؤخرا تحاول رسم صورة عن منظومة المالية الإسلامية وعن محددات سرعة انتشارها حول العالم.

تاريخ المصرفية الإسلامية

توضح دراسة صادرة عن (Academy for International Modern Studies (AIMS البريطانية أن الاتجاه الحالي للخدمات المصرفية الإسلامية في أوروبا ينبع من أصولها التي تعود إلى ما هو أبعد مما يعتقد الكثير من الناس. ولقد تم تحسين تأثير ونطاق الممارسات المصرفية على مر القرون وقد تكون اليوم أقوى من أي وقت مضى.

وبينما تلعب البنوك الإسلامية دورًا مهيمنًا في الصناعة المالية الإسلامية. فهي تعمل في أكثر من 75 دولة، ليس فقط في الدول الإسلامية، ولكن أيضًا في أوروبا، حيث تعيش الأقلية المسلمة. وقد استهدفت الدراسة تحليل الفرص والتحديات من أجل تحديد تطوير الصيرفة الإسلامية في دول الاتحاد الأوروبي. والإجابة عن التساؤل عما إذا كان يمكن للبنوك الإسلامية أن يكون لها حضور أكبر في السوق المالية الأوروبية في المستقبل، عما لديها اليوم.


البداية من جدة

لقد حدثت أول مشاركة للبنوك الأوروبية في التمويل غير القائم على الفائدة في عشرينيات القرن الماضي 1920. وفي ذلك الوقت، كان البنك الشرقي، سلف ستاندرد تشارترد قد سمح له بفتح فرع في البحرين بشرط تجنب جميع المعاملات القائمة على الفائدة. وفي نفس الوقت وبنفس الحالة، فإن بنك Handelsbank الهولندي سُمح له بإنشاء فرع في جدة، وكان الهدف منه تقديم خدمات الصرافة للحجاج من إندونيسيا الهولندية.

استثمارات أخلاقية

لفت الدراسة إلى أن البنوك الإسلامية تلبي احتياجات العملاء نفسها، مثل البنوك التقليدية. كما أنها توفر مجموعة متنوعة للخدمات المالية المقبولة دينياً للمجتمعات المسلمة، ولكن يمكن أن تكون أيضًا بديلاً- للعملاء غير المسلمين الباحثين عن استثمارات أخلاقية وتنويع أكبر للمخاطر. وفي كثير في البلدان الإسلامية، أصبحت الخدمات المصرفية الإسلامية جزءًا مهمًا من الأسواق المالية. وبالمقابل، في دول الاتحاد الأوروبي، تم تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية في الثمانينيات، عندما بدأ البنك الوطني العمل في السوق البريطانية. وحتى الآن، ظلت المملكة المتحدة هي زعيم الصيرفة الإسلامية. وحققت المملكة المتحدة هذا اللقب بفضل دعم الحكومة، وسمعة المركز المالي العالمي، مما ساعد على إنشاء مؤسسات مالية إسلامية في هذا البلد.

ريادة بريطانية

بدأ ظهور موقع لندن الدولي كعاصمة غربية للاقتصاد الإسلامي منذ عام 2013 عندما طرحت الحكومة البريطانية، خطة واضحة على هذا الصعيد، تبعها عام 2014 تحوّل بريطانيا إلى أول دولة غير إسلامية تقوم بإصدار صكوك حكومية.

واعتبرت الصكوك آنذاك صفقة ناجحة بالنسبة لبريطانيا، إذ إنها جذبت المليارات من مصارف مركزية وصناديق سيادية أخرى، كما ضمنت بريطانيا عام 2015 صكوكا إسلامية أصدرتها شركة طيران الإمارات. أما الهدف من توسيع دور بريطانيا في سوق التمويل الإسلامي فكان جذب المزيد من التمويل من الشرق الأوسط وآسيا.


5 مليارات دولار

تعتبر بريطانيا من الدول الأوروبية التي حققت إنجازا كبيرا في المالية الإسلامية، ويبلغ إجمالي أصول المؤسسات المالية العاملة في لندن التي تقدم خدمات التمويل الإسلامي 5 مليارات دولار، وهو ما يجعل لندن مركز استقطاب قوي للاستثمارات التي تستهدف قطاع المالية الإسلامية. ويوجد أكثر من عشرين بنكا في بريطانيا تقدم خدمات المالية الإسلامية من خلال نوافذ محدد خاصة بهذه المنظومة.

ولقد مكنت هذه السياسة التي انتهجتها بريطانيا تجاه المالية الإسلامية من جذب الاستثمارات التي تستهدف الصكوك وغيرها من الخدمات المالية الإسلامية، وبالتالي نجحت في الحصول على حصة مهمة من سوق المالية الإسلامية.


السوق المالية الأوروبية

إن سوق الصيرفة الإسلامية في دول الاتحاد الأوروبي في طور التطور. ولكن في بلدان مثل فرنسا وألمانيا، التي بها جاليات مسلمة كبيرة، من غير المحتمل أن تتطور الخدمات المصرفية الإسلامية بشكل ديناميكي كما في الدول الإسلامية. ولكن من المحتمل أن يكون لها حضور أكثر أهمية في السوق المالية الأوروبية، ويمكن أن تحقق وضعًا مشابهًا للمركز الذي تحتفظ به البنوك التعاونية. وبحسب الدراسة فإن العوامل الرئيسية التي ربما تسهم في ذلك التطور تشمل: الجالية المسلمة الكبيرة والمتنامية في الاتحاد الأوروبي، تزايد الطلب على الاستثمارات الأخلاقية أيضًا من غير المسلمين، زيادة العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي ودول الآسيان ودول مجلس التعاون الخليجي. علاوة على قيام البنوك السويسرية والأمريكية والبريطانية بتوسيع دائرة خدماتها المالية الإسلامية خلال الأعوام العشرة الماضية، بشكل ملحوظ.

تحديات ومشاكل

لا يزال هناك العديد من التحديات والمشاكل التي تواجه الصناعة المصرفية الإسلامية في الاتحاد الأوروبي. والتي تشمل: عدم وجود تشريعات مناسبة في غالبية دول الاتحاد الأوروبي خاصة فيما يتعلق بالضرائب وقضايا الإشراف، ومشاكل إدارة المخاطر، الناتجة عن نقص الأدوات المناسبة، والتعاون الكافي بين المؤسسات العاملة في بلدان مختلفة، علاوة على ارتفاع تكاليف المنتجات المصرفية الإسلامية. أخيرًا، يعد النقص في الموظفين مشكلة تؤثر أيضًا على الصناعة المصرفية الإسلامية الأوروبية. وأخيرًا، يعد النقص في الموظفين مشكلة تؤثر أيضًا على الصناعة المصرفية الإسلامية الأوروبية.

وإذا لم تحل البنوك الإسلامية تلك المشاكل، فإن وجودها في دول الاتحاد الأوروبي سيبقى غير ذي صلة. ومن غير المحتمل أن تصبح بديلاً عن البنوك التقليدية، كما يحدث في بعض الدول الإسلامية. وإذا وجدت طريقة للتغلب على تلك التحديات، قد تصبح إضافة قابلة للتطبيق إلى جانب المؤسسات المالية التقليدية.


عولمة الأسواق المالية

اليوم، تستمر الصناعة المصرفية في النمو وسط التحديات والفرص الموجودة في أوروبا. هناك أسباب وجيهة وراء ظهور الصيرفة الإسلامية في أوروبا، بدءًا من قوة المؤسسات المالية الموجودة في الدول الإسلامية. وقد ساعد الجمع بين الاقتصاد القوي والممارسات المصرفية السليمة في تحفيز النمو في الدول الغربية. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت عولمة الأسواق المالية في ظهور هذا النوع من الخدمات المصرفية. وهذا يعني المزيد من فرص الاستثمار مما يعني أن البنوك الإسلامية تزداد قوة وتصبح أكثر بروزًا في أوروبا. أضف إلى ذلك فرص العمل المحسنة، حيث تتنافس الشركات من الدول الإسلامية حول العالم، ولديك مؤسسة لا ترى سوى النمو في المستقبل المنظور.

التجربة الفرنسية

شكلت أزمة 2008 المالية صدمة للنظام المصرفي في أوربا وأمريكا، وخلال هذه الأزمة بدأ العديد من الدول الأوروبية في دراسات خيارات أخرى لتجنب هذه الأزمات المقلقة، والتي أصبحت تتفاقم بشكل دوري مسببة مشاكل اقتصادية ومالية لهذه الدول، في مطلع هذه الأزمة صدر التقرير الفرنسي Jouini-Pastré الذي أشار إلى أن فرنسا قد أدركت أخيرا إمكانات مهمة للاستفادة من إنشاء سوق للمالية الإسلامية.

التمويل المصرفي

بينما يقدر حجم قطاع التمويل المصرفي الإسلامي عالميا بنحو 3 تريليونات دولار«11 تريليون ريال»، تبلغ قيمته في المملكة 299 مليار دولار تمثل 10% من حجمه العالمي، ويشكل التمويل الإسلامي الذي تقوم به 80% من قطاع التمويل لديها بما جعلها أكبر سوق للتمويل الإسلامي في العالم.

مستويات عالية

قالت وكالة موديز للتصنيف الائتماني، إن معدل انتشار التمويل الإسلامي في السعودية يرتفع مع المستويات العالية التي وصل إليها. وأشارت إلى أن هذا النمو يعود إلى تنامي الطلب من قبل العملاء سواء الشركات أو الأفراد على المنتجات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، وبدعم من البيئة الرقابية المشجعة. وأوضحت أن التمويل الإسلامي ينمو بمعدل أسرع من الصيرفة التقليدية بالمملكة، كما أن السوق مفتوح للمستثمرين العالميين، إذ تسعى الحكومة إلى تنويع اقتصادها حتى لا ينحصر في النفط. أفادت أن معدل انتشار التمويل الإسلامي يسهم في زيادة ربحية البنوك نظرا لنظام التمويل في البنوك الإسلامية الذي لا يعتمد فيه المودعون على الفوائد.

وأظهر تقرير الوكالة، ارتفاع ربحية البنوك الإسلامية في السعودية مقارنة بالبنوك العادية العام الماضي، وذلك لارتفاع هوامش الأرباح. وأكدت فيتش أن السعودية تملك أكبر حصة للتمويل المصرفي الإسلامي ب79% من حجمه عالمياً. كما ذكر التقرير أن المصارف الإسلامية في السعودية تملك رسملة جيدة ونسبا عالية من الأصول المصرفية للأفراد.


حجم الأصول

بلغ حجم الأصول المتوافقة مع الشريعة نحو 2.1 تريليون دولار في عام 2015 بحسب تقديرات وكالة ستاندرد آند بورز لخدمات التصنيف الائتماني. أما في عام 2014 فقد بلغ حجم تلك الأصول نحو 1.81 تريليون دولار بزيادة 9.7% عن عام 2013، حيث بلغ حجم الأصول فيها نحو 1.65 تريليون دولار. وقد وصل حجم هذه الأصول بنهاية عام 2020 إلى 3.25 تريليونات دولار.

أصول التمويل

تتركز أصول التمويل الإسلامي العالمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث يوجد 77% من أصول المؤسسات المالية. وتستحوذ دول الخليج العربية على 50.3% من أصول المؤسسات الإسلامية حول العالم، في حين أن باقي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تستحوذ على نسبة 26.6% من الأصول المالية الإسلامية. في المقابل، تستحوذ آسيا على نسبة 21.1% من الأصول الإسلامية، ومنطقة إفريقيا جنوب الصحراء على نسبة 0.6%، وأوروبا وأمريكا وأستراليا مجتمعة على نسبة 1.3%.

حجم التمويل الإسلامي

2015

2.1 تريليون دولار

2016

2.2 تريليون دولار

2017

2.4 تريليون دولار

2018

2.5 تريليون دولار

2019

3 تريليونات دولار

2020

3.25 تريليونات دولار

2022

4 تريليونات دولار «توقعات»

عدد البنوك التي تقدم الخدمات الإسلامية في الاتحاد الأوروبي 2013

بريطانيا 22

فرنسا 3

ألمانيا1

لكسمبورج 1


المصارف الإسلامية في أوروبا

بريطانيا:

تأسيس أول مصرف إسلامي في البلاد عام 1982 وبات لدى بريطانيا اليوم أكبر عدد من المصارف الإسلامية مقارنة بأي عاصمة غربية أخرى، كما أن لندن باتت مركزا لتكنولوجيا الخدمات المالية الإسلامية أيضا.

ألمانيا:

قامت بنوك ألمانية مثل «كوميرس بنك» والبنك الألماني «دويتشه بنك» خلال الأعوام الماضية بإنشاء أقسام وصناديق خاصة بالخدمات المالية الإسلامية سواء في ألمانيا أو في العالم العربي.

روسيا:

الاعتماد على وسائل تمويل محلية ودولية وفقا للشريعة الإسلامية بهدف الحد من تبعات الركود الاقتصادي والعقوبات الغربية على الاقتصاد الروسي. وإضافة إلى تقديم الخدمات البنكية وفقا للشريعة الإسلامية هناك اهتمام متزايد أيضا بتدريس الأنظمة المالية الإسلامية في المؤسسات الأكاديمية والبحثية كما هو عليه الحال في جامعة شتراسبورغ التي أدخلت هذه الأنظمة إلى مناهجها منذ سنوات.