هذه البلاد منذ نشأتها، ومن ثم توحيدها على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن وسياستها مد أيدي الخير والتعاون لكل دول العالم المحبة للسلام وسيادة الأمن، ونبذ كل ما يعكر صفو الأمن والأمان، محكمة شرع الله، وسنة نبيه، بروح التسامح، والحرص على ألا يضار أحد من أبناء الوطن أو المقيمين في نفسه أو ماله أو عرضه.

وعلى هذا المنوال سار أبناؤه البررة، الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله رحمهم الله وطيب ثراهم، وفي هذا العهد، عهد النقاء والبناء، والإصلاح والصلاح، وهو نهج القائد الحكيم الحازم خادم الحرمين الشريفين وعضده ولي العهد أمير المبادرات الرائدة والرائعة استدام ذلك النهج الكريم، بل وقيض لنا أن نعيش في زمن تترى مع كل صبح فيه إذا تنفس، وكل ليل إذا عسعس، مبادرة تبهر العين وتبهج القلب، فلتأخذكم كلمة مبادرة «قريبًا» وليس بعيدًا كم اعتدنا أن نقول دائمًا فالمبادرة في ذلك المفهوم، هي أن قمة الإنجاز أننا نفكر في عمل كذا أو كذا، ولكن هنا قفزت المبادرة إلى واقع على الأرض.

لا وقت للكلام، ولا الضجيج والإعلام، فهنا لا صوت يعلو على صوت الحدث، أفكار لا تنتظر حين تولد إلا وقد فعّلت على الأرض، لا مجال «لحقابله بكره»، وأزيد «وبعد بكره» وبعد بعده «كما جاء في أغنية أم كلثوم والتي كأني بها والشاعر أحمد رامي في هذه الأغنية التي لحنها رياض السنباطي يتيحان الفرصة لمن يتأمل في تلك الكلمات فيصحو على رتم الحياة في هذه الأيام فيتغزل في هذا العهد الذي نعيش في رحابه تطورًا نوعيًا في كل مناحي الحياة، في ظل رؤية مفعمة بالتفاؤل وبعد النظر، وفي نفس الأغنية تقول فضلت وحدي استنى بكرة تاخذني فكرة، وتجيني فكرة، وهنا كأني أرى مداعبة لا تخلو من العتب، عن وقت مضى هدر كثير منه.

إذا ما نظرنا إلى تسارع التقدم في العالم، فالعلم لا يسير، إنه يطير «فيا تلحق أو ما تلحق»، فمقولة إن القطار قد فات، انتهت، فقد أصبح القطار إلى حد كبير أمثولة للبطء، الآن لا بد أن تلحق حاملات الأقمار الصناعية، أو في أدنى الآمال الوسيلة الأدنى للانطلاق «الهايبر لوب».

وفي هذا الزمان الذي نرى فيه ما انكشف وبان، سواء في أمريكا أو الترويكا، فالحمد لله، فقد قاد مليكنا خادم الحرمين الشريفين مسيرة هذا الوطن بحكمته وعزمه وحزمه إلى مرافئ العز والسلام والأمن، كما اتخذ حفظه الله، قرار ألا وقت للانتظار، فكل شيء على طاولة الإنجاز، وسلم مفتاح بوابة الأفكار والمبادرات لرجل العصر المبدع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فكانت أوائل أركان رؤية سموه أن البترول لن يظل للأبد سيد الموقف، فلكل زمان بضاعة ومال.

ربما إلى قبل عقدين أو ثلاثة من الزمن، كان البترول عصب الاقتصاد العالمي سواء بالنسبة للمنتج أو المستهلك، وكانت الصناعات التقليدية العامل المساعد القوي لنمو الاقتصادات وتحريك عجلة النماء لبلدان العالم، ولا شك أن هذين العاملين سيظلان لهما ثقلهما ولكن سيأخذ دور الريادة الإنتاج التنموي للأفكار والإبداع، وربما بعض التفاصيل الأخرى، فالتقنية بعدما كانت إنتاجات تكميلية، فرضت نفسها ليصبح لكل منها مجال واسع في جسم الاقتصادات العالمية، ولنضرب مثلا قد نراه بسيطًا، فالتليفون كان فقط وسيلة اتصال صوتي، وعندما اخترع الفاكس قيل إنه أعجوبة العصر، وعندما ظهر الجوال تفهم العالم أن هناك ثورة تقنية كبيرة قادمة ستؤثر كثيرًا، فكثير من الأفكار تحتاج إلى مجال أوسع حتي تنضج وتؤتي أكلها، والآن نرى أن الجوال وتقنياته وبرامجه المختلفة أصبح مدينة مؤتمرات، وأصبح في فيسه وواتسه وتويتره وباقي تلك القائمة والعائلة المحترمة، وغير المحترمة في كثير من الأحيان، غدًا ذلك المجال عالم يتسع للملايين، ويعمل عليه المليارات من البشر، ويكفي أن نعلم أنه في رأس السنة فقط على الواتس تداول العالم 100 مليار رسالة.

ولهذا كانت رؤية ولي العهد آمال عريضة وأفكار جريئة ومتقدمة عشرات السنين على نماذج من الأفكار السلحفية في الحبو إلى الأمام أو مكانك راوح.

رؤية ولي العهد لا تحتاج إلى مفسر أحلام النوم أو اليقظة ليفسرها، فلقد أصبحت مفسرة ميسرة وعلى الأديم واقع جميل، والأمثلة كثر، فنيوم والقدية والبحر الأحمر ومشاريع تأسر الألباب في كل حدب وصوب، فلو نظرنا مثلا إلى العلا بطنطورتها الرائقة بشتائها المنعش مع خليط من دفء مشاعر «سر من رأي» إنه نتاج فائق الجمال ما كان أن يولد إلا على يد مبدع عبقري، مدينة فيها كل أدوات الحسن والدلال، كانت تبدو لنا وكأنها مجرد بعض النخيل، وبيوت نحتت في الجبال، لا نراها بل قد يتسنى لبعضنا أن يقرأ أو يسمع عنها في بعض الكتب أو في الحكايات القديمة وكأنها من نسج الخيال.

صراحة لأقف إلى هنا، مكرها لا بطل، فالظاهر أننا نحتاج إلى أكثر من الدهشة حتى نستوعب ما ينجز، ولا أقول على الأرض فقط بل في العقول التي منحت الفرصة لتنهض من غفوتها فأعطت وأبدعت.

إني لأرى أن معظم النتائج الإيجابية لهذه العطاءات التنموية قد أينعت وحان قطافها.

سؤال ليس بريئًا، هل آن للعالم أن يسمح لنفسه برؤية الحقيقة في إحدى عينيه وليس كلتاهما، فنحن لسنا طامعين، أو أن يسمح لطرف لسانه أن يقولها، ويترك بقية لسانه المر يلوي عنق الحق كما يرتاح له.

ملك عزوم حكيم. وأمير مبدع شجاع. وشعب وفي عظيم.

عاشت حبيبتي ديرتي فوق هام السحب.