لا يخلو أي من بني البشر من العيوب والصفات والعادات غير الحميدة، تجد من يكون فضوليا يريد معرفة ما يعنيه وما لا يعنيه، ومنهم الأناني الذي يفضل نفسه على غيره في أي من أمور الحياة، ومنهم من لا يهمه شيء في الوجود فهو ذو ردود فعل سلبية تجاه أشد وأبسط الأمور، متساوية لديه الأضداد، مضيع حقوقه مهمل واجباته.

هناك الكذوب، وهناك من هو على أفعال الشر دؤوب، تجد هنا قليل الحيلة المتكاسل، ومن يملك آلاف الحيل وإبداء الأسباب، وهناك من يأخذ حق غيره ويشكو ممن يطالبون بحقوقهم، إلى غيره من الاختلافات التي من دونها لا ينتظم ناموس الحياة بين خير وشر.

ولكن هناك صفة إذا وجدت في شخص ما من الواجب عليك أن تشفق عليه وبشدة منها، ألا وهي عبادة الرغبة.. نعم، عندما يكون الإنسان عبدا لرغبة لا يهدأ إلا إذا تحققت وبأي وسيلة كانت غير مهم من سيدفع الثمن، والثمن هنا لا يكون ماديا فقط، فهناك أناس تستطيع أن تهدم بيوتا وتؤرق عائلات وتقضي على كل ما ومن يقف أمام رغبة ما أتت على بالهم.

نظرتهم للحياة محدودة تقف رغبتهم دائما تحت أقدامهم، لا يملكون أبدا تطلعا للأفضل.

أنانية في كل مطلب، إما أن يتحقق أو يهدم كل شيء، وكل من يقف أمام رغباتهم، تطول حياتهم من دون تعلم الجديد، تدور أوقاتهم حول كيفية تحقيق ما يصبون إليه فقط، ينظرون بعين الحاقد على من يستطيع تحقيق أهدافه وليس رغباته، فالفرق بين الهدف والرغبة يكمن في أن الهدف يحتاج وقتا وجهدا ومثابرة وإصرارا وتخطيطا.

أما الرغبة، فلا يحتاج صاحبها ذو الأيدي القصيرة والفكر المحدود إلا إلى راع لتحقيقها، يتم ابتزازه بأي طريقة وتحت أي مسمى كي يقوم بتحقيق الرغبة، وقد يكون هو نفسه من قدم وقتا وعمرا وجهدا كي يحقق هدفا ليأتي صاحب الرغبة ويقطف هو الثمار من دون تعب أو بذل لجهد.

كما ذكرت سابقا هذا الشخص قد يكون مثيرا للشفقة لأنه تربى على الأخذ فقط والأخذ دون تعب، ظلمه من رباه، ومن ساعده، ومن حقق له كل ما تمنى دون جهد وعناء، ظلمه من أدخل في رأسه وبين ثنايا عقله، أنه فقط يستحق، وغيره غير مهم.

كثير من التقاليد التي توارثتها المجتمعات العربية كانت هي السبب الرئيس في تفشي هذه الصفة وغيرها من الممارسات، أولها، تفضيل الذكور على الإناث في الأسرة الواحدة، ومفهوم أن الولد من يستحق، والبنت تستطيع أن ترجئ متطلباتها حتى وإن كانت بسيطة لكنها في غاية الأهمية، تعويد كثير من الأخوات على أولوية تلبية رغبات أخيها وسرعة تلبية ما طلب خوفا من أن يترك بيت الوالدين أو يسيء علاقته بها أو ببقية إخوته.

الاهتمام بالرباط القشري بين الإخوة واصطناع الشخصية الضعيفة قليلة الحيلة كي يستجلب بها عطف الأشقاء الأقدر على العمل وتحقيق الذات واختلاق الأعذار والحجج كي يحقق من لا يبذل جهدا ما يرغب فقط.

النظرة الضيقة للآباء والتفاخر الأعمى بأن الولد وإن قصرت يداه وقل جهده وزاد تواكله هو من يحمل الاسم ويقود لواء العائلة، ومن ثم فلا بد من تحقيق رغباته لأنه سيتعب غدا، وينتظر الجميع غدا فلا يأتي، فهم لم يصنعوا رجلا يحمل الاسم بل صنعوا

من يتحامل على الاسم فيأخذه ويهوي إلى القاع.

صناعة الرجل تبدأ حين يبدأ بتحمل المسؤولية ومعرفة الواجبات التي تسبق الحقوق، يعتاد الإيثار لا الاستئثار، تلبية الرغبات الآنية الملحة صغرت أم كبرت لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن حب الوالدين أو الإخوة لهذا الابن، والإفراط في الدلال يضيع عزم الرجال، ويجعل السهل لديه دائما في مكانة المحال، وتزيد من التجارب الرهبة لهذا المدلل عبد الرغبة.