عندما نتأمل تطور حركة المرأة السعودية سنجد أن هناك حركة نسائية متصاعدة للمطالبة بحقوق معينة، وكذلك لمزاحمة ومحاصرة نظرة المجتمع لها، وعلى الرغم من قناعتي بعدم تطابق أيديولوجيا النسوية الغربية مع الحراك النسائي السعودي الممتد لنصف قرن من الزمان على الأقل، إلا أن هذا لا يعني عدم وجود محاولات مستمرة ودائبة لركوب هذا الحراك، وتوظيفه، وفقًا لأجندات سياسية خارجية، اتضحت جليًا في أحداث متعددة.

وبحسب المشاهدات والقراءات للحراك النسائي السعودي من خلال المنتج الثقافي السعودي بأنواعه المختلفة، وكذلك من خلال منصات وسائل التواصل الاجتماعي، تويتر تحديدًا، فإنه يمكن فرز الحراك النسائي السعودي إلى أربعة اتجاهات، الأول: وهو اتجاه يطالب بالحقوق، وتمكين المرأة، من خلال تبني مفاهيم قد تتقاطع مع بعض المفاهيم والنظريات النسوية، ولا يقتضي الحال التبني الفعلي للنسوية كنظرية وأيديولوجيا، والثاني: مجموعة تتخذ النسوية كموضة، والثالث: مجموعة تعرضن إلى اضطهاد وتعنيف أسري، وكبت وتكبيل حريات متناهي الشدة، أو شَهِدن مثيل هذه الأفعال فيمن يعرفن من زميلات دراسة أو قريبات، فنتجت لديهن ردة فعل عنيفة ومدمرة، وكارهة للدين والمجتمع والرجل، والرابع: مجموعة لهن أجندات «مجهولة/‏ معلومة» يسعين إلى تشويه صورة المرأة السعودية، وجرها إلى مواجهة الدين والمجتمع والدولة.

وعلى الرغم من كثرة تداول مصطلح «النسوية السعودية» في فضاء التواصل الاجتماعي، أو ما يشير إليه، إلا أن عدم توافر سمات النسوية المتعارف عليها عربيًا وعالميًا، يشير بشكل جلي إلى أن الأمر يحمل توجهًا مخلصًا للحصول على الحقوق المشروعة، والسعي إلى نيل المرأة مكانتها اللائقة بها في المجتمع السعودي.

والمرأة السعودية اليوم، تخطو بقوة نحو المشاركة التنموية على الرغم من وجود بعض المعوقات الاجتماعية، حيث وصلن إلى مناصب عليا، وإلى مجالس عدة من ضمنها مجلس الشورى، وتحررت قيود حركتهن في التنقل والاستثمار ورعاية شؤونها وشؤون من تعول.

ولعل من المهم فرز المشكلات التي اعترضت طريق المرأة السعودية، خلال العقد المنصرم، ليعطينا مؤشرًا عن مدى تقدم المرأة السعودية، بعد تجاوزها عام 2020، ويمكن القول: إن ثلاث مشكلات ساهمت في تأخر تقدم المرأة السعودية لتصل إلى مكانتها الطبيعية، الأولى: مشكلات قانونية، وهي متعلقة بقانون الأسرة ووصاية ولي الأمر، والعنف الأسري، وتحديد سن الزواج... إلخ، وهذه المشاكل تم العبور بها إلى بر الأمان بشكل غير مسبوق في التاريخ السعودي، وذلك منذ أن تولى خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- الحكم، ومنذ تدشين الرؤية 2030.

الثانية: مشكلات ثقافية متعلقة بالتقاليد والأعراف غير المرتبطة بالدين التي قد تمنع المرأة من المشاركة في مناشط الحياة العامة كافة، وهذه وإن كانت تسير ببطء بحكم طبيعة حركة المجتمع، إلا أن زيادة منسوب الوعي، والإنسانية في المجتمع السعودي، ومع تجويد الأنظمة والإجراءات، الضامنة لحرية المرأة، وضرورة معاملتها كإنسان، يحدث نقلات نوعية في هذا الملف.

الثالثة: غياب المؤسسات التي تمثل المرأة، وتم تلافي هذه المشكلة في الأنظمة الجديدة للجمعيات، التي تشرف عليها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.

وعودة على الحركة النسائية السعودية، والتي واجهت تشويهًا وهجومًا اجتماعيًّا واحتقارًا لمطالبها، وواجهت تضييقًا كاد يحولها إلى حالة تمرد يقصي متعمدًا أصوات الاعتدال والحكمة التي لا تخرج عن إطار الدولة ومظلتها، ويحبط كل المحاولات النبيلة لرقي المرأة السعودية، وهذا بفعل الأجندات الخارجية، سواء من كان من خلال الاستخبارات الإقليمية والدولية، أو من خلال الهيئات النسوية الدولية، والتي تحاول تشكيل ضغط باتجاهات متعددة على المملكة، سواء عن طريق بعض بناتنا اللاتي تجاوبن مع هذه الأجندات بقصد أو بغير قصد، أو عبر مطالبات متعددة الأشكال.

وفيما يلي أسجل بعض الملحوظات على الحراك النسائي السعودي، كملحوظات عامة:

فمما يلحظ على هذا الحراك النسائي المتجدد، أن غالبه متداول في أروقة الفضاء الافتراضي، وعلى الرغم من أنه أسهم وبقوة في زيادة الوعي، وتبادل الخبرات بين الأجيال النسائية المتعاقبة، إلا أنه يواجه تحديًا كبيرًا من ناحية عدم تحويله من افتراضي إلى حقيقي، فنجد كثيرًا من الفتيات يفضل التغريد عبر حسابات مجهولة لعدم توفر ضمانات كافية لحمايتهن في حال الكشف عن هوياتهن، ومع هذا فإننا نجد في الوقت نفسه تنسيقًا كبيرًا في الجهود حول القضايا التي تهم هذا التوجه.

ومما يلحظ على هذا الحراك النسائي كذلك، في بعض جوانبه المتطرفة، أنه مهتم بتفكيك العلاقة بين الذكر والأنثى، ونقل عملية المطالب في هذا الصدد من مسألة المساواة بين الجنسين إلى المفاضلة بينهما، وإعلاء جنس الأنثى على جنس الذكر، وكأنها ردة فعل معاكسة في الاتجاه وموازية في القوة للعنصرية الذكورية، نعم نقر أن النسوية: تيار اجتماعي تطور من مجموعة نظريات اجتماعية وسياسية وفلسفية، بغية القضاء على كل أشكال التمييز على أساس الجنس «الذكورة، الأنوثة»، وسعت لبناء هوية الإنسان على أساس النوع الاجتماعي «الجندر» (Gender)، وليس على أساس «الجنس» (Sex)، ولكن يجب أن يبقى هذا الأمر في هذا الإطار فقط، ويكون الفيصل الوحيد في التمايز والتفريق، بناء على ما يملكه الإنسان من فروقات فردية، وتعليم، وقدرات، ومواهب، سواء كان ذكرًا أو أنثى.

ومما يلحظ على هذا الحراك النسائي، تماديه في حالات قليلة جدًا إلى المناداة بعزل الرجل وإقصائه، مما يحيل العلاقة بين الطرفين إلى علاقة صراع، وهذا ناجم عن فكرة القضاء المبرم على أدوات السيطرة الذكورية.

وعلى كلٍ، فقد شهد وضع المرأة السعودية خلال سنوات قليلة تحولًا عميقًا، حتى أصبح لها حضور جلي في الحياة العامة، يغطي على حضور الرجل في بعض الحالات، وذلك بفعل الإصلاحات السياسية والاجتماعية التي انتهجتها حكومة خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين -أيدهما الله- للخروج من دائرة الانغلاق والتصنيف النوعي للنساء، كما أنها اليوم تسعى بكل اقتدار إلى المضي بعيدًا عن التحركات والأجندات الخارجية، التي تحاول جعل قضية النساء السعوديات اليوم موضوعًا قابلًا للتسييس، بعد أن أصبحت تلك القضية في فترة ما مشحونةً بالتشويش، حيث وظفت لغة الحقوق وموضوع حريات النساء في السعودية بما لا يخدم الحراك النسائي في مختلف التوجهات.

أخيرًا، هناك أسئلة كثيرة مفتوحة، يناقشها المختصون والمثقفون في فضاءات الإعلام المختلفة، ولكن ما زال المشرع يقف منها موقف الصامت، التحرك الآن سيقلل من التكاليف لاحقًا بشكل كبير.