نشهد في كوكب الأرض عددًا من التطورات التقنية التي ساعدت بالاستكشاف والتنقل والتواصل بشكل سريع وبكفاءة عالية. والسؤال: كيف نطور تقنياتنا المستخدمة في كوكب آخر؟ وللجواب على هذا السؤال، من المهم أن نستذكر سويًا نقاشنا السابق عن تطور البشرية في العصور السابقة حتى وصلت إلى اكتشاف الكواكب في الفضاء الخارجي، وعن استخدام تقنيات مختلفة بالتحكم عن بعد لإرسالها إلى تلك الكواكب والأقمار لكي تساعدنا في الاستكشاف مثل مركبة الروفر.

ففي حياتنا على كوكب الأرض، نرى عددًا من الباحثين قاموا بعمليات بحث وتطوير في عدد كبير من التقنيات، ففي مجال الطيران، نجد أن صناعة الطائرات اتجهت إلى إنتاج طائرات ذات أجنحة ثابتة تعتمد في إقلاعها وهبوطها على الأسلوب العامودي (Vertical Take-Off and Landing VTOL)، وفي مجال صناعة السيارات والطائرات نجد أن استخدام الطاقة الكهربائية عوضاً عن استخدام المواد البترولية أصبح من الأمور التقنية الأكثر توجهاً الآن، وهناك غيرها من التقنيات مثل القيادة الآلية ووسائل الاتصال التي نشهدها وأدت إلى زيادة المعرفة العلمية والوصول لصناعات كانت مجرد أفكار بحثية في السابق وأصبحت الآن جزء من حياتنا.

عندما كنت أدرس هندسة الفضاء والطيران في الولايات المتحدة الأمريكية، قمت مع فريق بدراسة بدائية عن فكرة استخدام طائرة دون طيار ليتم استخدامها في التيتان (أحد أقمار كوكب المشتري). اعتمدت الفكرة عل أن يتم استبدال الروفر كونها تسير على السطح بطائرة تستطيع التحليق والوصول إلى أماكن يصعب على الروفر الوصول إليها. اعتمدنا في الفكرة على أن يتم وضع جميع الأجهزة المستخدمة مسبقاً وإضافة بطارية تعمل بالطاقة النووية (Nuclear Battery)، وقمنا باستقطاب فكرة الإقلاع والهبوط العامودي (VTOL) مثل طائرة V-22 Osprey. وكطالب جامعي كانت الفكرة جدًا ملهمة ولاقت تقبلاً من الجهة الأكاديمية، ولكن على الصعيد الصناعي كانت الفكرة تحتاج دراسة أعمق من حيث التكلفة والمواد المستخدمة والمشغلة والوزن وقوة الدفع المطلوبة ودراسة الغلاف الجوي للتيتان، فلم أر أن هذه الفكرة قد تكون أحد التقنيات التي يمكن استخدامها في الفضاء الخارجي قريبًا.

ولكن اهتمام الباحثين بتطوير البعثات العلمية في الفضاء جعلت أحد مراكز البحث التابعة لناسا جي بي آل (Jet Propulsion Laboratory JPL) يعمل على تجهيز أحد مختبراتها بشكل يوائم الغلاف الجوي في المريخ لدراسة استخدام الطائرات الاستكشافية، وفي يوليو 2020 قامت شركة ناسا بالتعاون مع جي بي ال بإرسال الروفر بيرسيفيرنس (Perseverance) إلى كوكب المريخ، ولتطوير عملية البحث والاكتشاف كان لهذه المهمة تميز بوضع طائرة هليكوبتر تم تسميتها انجينوتي (Ingenuity) يتم إنزالها واستخدامها كأول تجربة لطائرة مروحية يتم إطلاقها والتحكم بها عن بعد في المريخ، وسوف تصل في فبراير 2021.

تمتاز الهليكوبتر انجينوتي بمزايا تمكنها من الطيران في المريخ، حيث إنه تم اختبارها وتجربتها وأثبتت قدراتها على الطيران في الغلاف الجوي للمريخ الذي يعتبر جاذبيته ثلث جاذبية الأرض والغلاف الجوي لا يتجاوز سمكه (1%) مما يجعل قوة الرفع للطائرة أكثر صعوبة. إضافة إلى تصميمها بعدد من الأجهزة بوزن محدد يجعلها قادرة على الطيران، وأيضا حفاظها على درجة حرارة مناسبة لكي تستطيع الطيران في أجواء المريخ الباردة. وصممت بارتفاع (0, 49 متر) وبوزن (1. 8 كجم)، واعتمد تشغيلها على الطاقة الشمسية وبقدرة (2400) دورة في الدقيقة، حيث تستطيع التحليق لمدة (90) ثانية بارتفاع (3-4. 5 متر) ومسافة (300 متر) في كل مرة. وسيتم إرسال جميع الإحداثيات والأوامر مسبقًا من مركز التحكم في الأرض. قام الفريق المصمم بإعداد قائمة لكل إنجاز تقوم به الهليكوبتر ابتداءً من إرسالها من محطة كيب كانافرال (Cape Canaveral) في ولاية فلوريدا ثم يليها إنزالها من داخل بيرسيفيرنس في المريخ، ثم قدرتها على البقاء دافئة خلال ليال المريخ الباردة، ثم قدرتها على شحن نفسها من خلال الألواح الشمسية، وبعدها تجربة طيرانها لأول مرة.

الهدف من تجربة انجينوتي هو إظهار القدرة على صناعة التقنيات اللازمة للطيران في الغلاف الجوي للمريخ، فتمكين هذه التقنيات وتطويرها سيفتح سبل دراسة كواكب أخرى سواء كانت تسير على السطح أو تطير في غلافها الجوي. حيث إن المعلومات التي يمكن الحصول عليها من الطائرات قد لا تتمكن الروفر من التقاطها بسبب سوء التضاريس.