كثير ما يختلط على البعض، التمييز بين الإعلامي الذي يعمل بالإعلام، وكاتب الرأي الذي تُنشر مقالاته أو رأيه عبر وسائل الإعلام، فالأول يعمل لصالح الجهة الإعلامية التي يعمل بها، ويتقاضى أجره على جهوده، في خدمة توجهاتها ونشر فكرها ورؤيتها، بما يتطلبه العمل الإعلامي بمختلف برامجه وموضوعاته ووسائله؛ بينما كاتب الرأي هو بمثابة ضيف على الإعلام، يستخدم وسائله أو بالأحرى يستفيد منها، لنشر فكر توعوي أو مناقشة رؤية أو معالجة تحديات اجتماعية أو اقتصادية أو نفسية أو غيره، من محتوى ما يتضمنه نشر كُتاب الرأي.

فالإعلام بالنسبة لكتاب الرأي؛ أوعية نشر مجتمعي تستهدف التنوير والارتقاء بثقافة المجتمع وتوعيته، عن الكثير من القضايا التي قد لا تتضح معالمها للبعض لتعقدها، والتي قد تكون غامضة أحيانًا أبعادها، حتى على بعض المسؤولين المعنيين بها؛ وبإلقاء الضوء عليها، فإن ذلك يُسهم في كشف بعض بياناتها وحقائقها، أو مكامنها الحساسة وتأثيراتها المجتمعية والوطنية، وذلك يشمل مختلف الظواهر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية أو غيرها من القضايا الحيوية، هذا علاوة على أن الإعلام يُعد منبرًا لنشر بعض المقتطفات الأدبية من النثر والشعر أو القصة بما تتطلبه ذائقة المجتمع.

يختلف محتوى مقالات ورؤى كتاب الرأي، تبعًا لاختلاف تخصصاتهم العلمية ومستوى تأهيلهم ونوعية توجهاتهم ومستوى ثقافتهم الخاصة، بالإضافة إلى مدى علاقاتهم وتفاعلهم مع مختلف شرائح المجتمع وقضاياه، وبذلك تختلف مستهدفات المقالات المنشورة، وتتباين في مستوى ونوعية محتواها التوعوي والفكري، وفي حجم الشرائح المستهدفة والطبقة المقصود مخاطبتها أو تناول قضاياها. عندما يكتب الكاتب رأيه أو مقالته من منطلق علمي متخصص، لمناقشة قضايا وطنية أو مجتمعية أو غيرها من الموضوعات التي قد يُشكل بعضها تحديات حقيقية؛ فإنه بذلك يعالج شؤونًا وطنية برؤية علمية تهتم بتناول القضايا المختلفة ذات الصلة بتخصصه وعلمه، في قالب مبسط وأسلوب مرن، يحاول به أن يقدم علمه ويسخر قلمه لخدمة المجتمع والمسؤول، للكشف عن بعض الملابسات والحقائق، التي قد يغفل عنها الكثيرون حتى من المتعلمين والمتخصصين.

من المفترض في كُتاب الرأي من المتخصصين علميًا، أن توجه أقلامهم في جُل كتاباتها حول معالجة قضايا عامة تَهُم المجتمع وتكون ذات صلة بعلمهم، أو توضيح مفاهيم ومدلولات غامضة في تطبيقاتها العامة، أو في استخدامها المجتمعي أو المؤسسي، وبذلك يُسهم كاتب الرأي بعلمه ورؤيته التحليلية في معالجة القضايا والإشكالات المختلفة؛ بمساندة صناع القرار ومتخذي السياسات الوطنية ورواد المجتمع المدني، فيما يتعلق بمختلف القضايا التي يطرحونها ويناقشونها، بأسلوب علمي يستحق الانتباه له والالتفات إلى مضمونه، بما يستهدف المصلحة الوطنية.

لذلك فإن أهمية التخصص في الطرح مطلوب ومهم جدًا في معالجة القضايا الوطنية، بحكم المسؤولية الوطنية والاجتماعية، وذلك بدوره يتطلب الشفافية والمصداقية في الطرح المسؤول، بما يخدم التوجهات الوطنية والتنمية بصفة العموم.

وتتجلى أهمية طرح كتاب الرأي المتخصصين، ليس في علمه وقدرته على استخدام العلم في الميدان التطبيقي فحسب؛ وإنما في رؤيته الشفافة للأحداث والقضايا العالقة والتحديات المستعصية، والتمكن من تحليلها وتفسيرها بالاستقراء المطلوب لاستنتاج الأسباب التي كانت وراء تلك الأحداث أو التحديات الموجودة.

من المفترض إن لا يكتب الكاتب كتابة تتسم بالعشوائية دون هدف محدد، أو بهدف الشهرة، لأن الكتابة أمانة ورسالة هادفة للمجتمع، يتحمل مسؤولية محتواها الكاتب والناشر معًا؛ وعليه فإن الكتابة المسؤولة تستحق أن يؤخذ مضمونها بجدية واهتمام من المسؤول، ومن المعنيين بمعالجة ما نواجه من تحديات وطنية ومجتمعية؛ وإلا فإن الكتابة الجادة الهادفة ستفقد أهميتها ويضعف وجودها في الساحة الإعلامية، مع استمرار تجاهل المعنيين بها، لما تتضمنه من تحليلات علمية ومعالجات تستند إلى حقائق وبيانات، تُسهم في الكشف عن الكثير من جوانب الغموض والملابسات المحيطة بالبعض من قضايانا، التي تُعد تحديات مجتمعية.

المصلحة الوطنية تقتضي شراكة مسؤولة وتعاونا بين كتاب الرأي وصناع القرار، في مواجهة الكثير من الإشكالات والتحديات الوطنية القائمة، التي يتم طرحها وتناولها بشفافية ومصداقية علمية، تستهدف المصلحة الوطنية في جميع تفاصيلها المتضمنة لإستراتيجياتنا ورؤيتنا التنموية المنظورة.