ما بين القبول والرفض، تجد الخطوة التي شرعت أمانة العاصمة المقدسة في اتخاذها، والمتمثلة بإطلاق أسماء الأحياء التاريخية لمكة المكرمة، والتي تم ضم كثير منها إلى توسعات الحرم المكي الشريف، على الأحياء الجديدة في مخططات ولي العهد الواقعة جنوب مكة المكرمة شداً وجذباً، ففيما يراها البعض إرباكا شديداً، يبررها البعض بأنها محافظة على تراث مكة وإحياء لأحيائها التي لعبت أدوارا مؤثرة في تاريخ المدينة.

أحياء مثل النقا، وحارة الباب، والشبيكة، والشامية، والفلق، وحي شعب عامر، وحي شعب علي، وحي الجودرية، والسوق الصغير، والقشاشية، والغزة، خلت واندثر جزء كبير منها، وبات بعضها اليوم داخل نطاق حدود توسعات المسجد الحرام، وغدت حارات قديمة مثل الجودرية والشامية والقرارة جزءا من الحرم بعد التوسعة الأخيرة، لكن اندثار تلك الأحياء أو أجزاء منها لم يمحها من ذاكرة الناس الذين ما يزالون يتغنون بها وبأهلها.

لا مبرر

أجمع عدد من المختصين على أنه لا مبرر لإطلاق أسماء الأحياء التاريخية على مخططات ولي العهد الواقعة جنوب مكة المكرمة، واصفين ذلك بأنه خطوة غير موفقة تؤثر على الإرث التاريخي لتلك الأحياء، خاصة أن مكة المكرمة تزخر بالأسماء التي تعد أكثر توثيقاً وجديرة بتدوينها على المخططات الجديدة.

وكانت أحياء مخططات ولي العهد تسمى بالأرقام، قبل أن تتخذ الأمانة خطوة إطلاق مسميات شعب عامر وحارة الباب والهجلة والقشاشية والفلق والصفوة والشبيكة والشامية والسوق الصغير والجودرية، مع إضافة كلمة الجديد بعد اسم كل حي تاريخي على تلك المخططات الجديدة الناشئة.

ويقول المؤرخ، الباحث عبدالله بن أحمد بن عمر بالعمش لـ«الوطن» «إطلاق الأسماء التاريخية للأحياء الجديدة بمكة المكرمة فيها جرأة على الإرث التاريخي لإنسان مكة المكرمة».

وأضاف «التاريخ وهج تراثي وطني متجذر في عروق ذكريات الإنسان، فكيف ننزع هذا الوهج الذي يعيش في ضوئه إنسان هذا الموقع».

وتابع «أناشد المعنيين باللطف بتاريخ التراث المجيد، فهل عقم قاموس الأسماء عن أن يقدم مسميات جديدة لهذه المواقع حتى نستعين بالأسماء التاريخية لإطلاقها عليها».

وأشار إلى أنه «لا بد أن للمواقع الجديدة أسماء سابقة، ويجب البحث عنها، وربما يجدونها عند ملاكها القدماء، وستكون أجدر بأن تطلق على الأحياء الجديدة، لأنها نابعة من ذات الموقع حفظا على تاريخ المواقع وصونا لتاريخ مخزن في ذاكرة الكتب وثقافة الإنسان وفكره المرتبط ببيئته الوطنية وبذكريات حياته».

بلبلة في الأذهان

لا يؤيد مدير عام مركز تاريخ مكة المكرمة بدارة الملك عبدالعزيز الدكتور فواز الدهاس إعادة تسمية الأحياء الجديدة بأسماء الأحياء القديمة، ويؤكد في حديثه لـ«الوطن» أن «تسمية مخططات ولي العهد بمكة المكرمة بأسماء الأحياء القديمة المزالة لصالح مشروع توسعة المسجد الحرام موضوع تم الإكثار من الحديث، وطرحت آراء عدة حوله، وشخصيا لا أؤيد إعادة تسمية المخططات الجديدة بأسماء الأحياء القديمة، لأن تلك الأحياء مرتبطة بأحداث تاريخية معينة، وتشكل حدود النطاق العمراني لمكة المكرمة في فترة تاريخية معينة، ولها علاقات بأملاك خاصة ووثائق تاريخية لبعض الأسر التي قطنت تلك الأحياء».

وأضاف «لا أرى مبرراً لإطلاق هذه المسميات على المخططات الجديدة، فتاريخ مكة المكرمة محتشد بالأسماء التاريخية المرتبطة بتاريخ هذا البلد الحرام، ونقل التسميات إلى غير مواضعها المعروفة سلفا سيثير البلبلة في أذهان المجتمع ومتابعي تاريخ مكة المكرمة».

وتابع «يمكن إذا كانت الغاية هي حفظ أسماء الأحياء المزالة إطلاق مسمياتها على الساحات المحيطة بالمسجد الحرام، وهذا أكثر توثيقاً وحفظا لتاريخ هذه الأحياء».

حفظ من الاندثار

يوضح المتحدث الرسمي في أمانة العاصمة المقدسة رعد الشريف لـ«الوطن» أن «إطلاق أسماء الأحياء التاريخية على مخططات ولي العهد الجديدة في مكة المكرمة جاء للحفاظ على الأسماء التاريخية من الاندثار، وذلك بحكم مشاريع الدولة التي أنجزت في تلك الأحياء».

وأشار إلى أنه «من المناسب الحفاظ على هذا الإرث التاريخي، ولذا جاء التوجيه بتسمية الأحياء الواقعة في مخططات ولي العهد بأسماء الأحياء التاريخية، وإضافة كلمة الجديد لكل حي جديد حمل اسم حي تاريخي، وسيتم وضع لوحات للأحياء تتضمن موقع الحي التاريخي، ومعنى التسمية ومعلومات تؤصل التاريخ، وتنقل المعرفة للأجيال المقبلة عن تاريخ مكة العتيق».

وأضاف «الحفاظ على الإرث يكون بتبني المحيط الذي يحيط بنا، ومخططات جنوب مكة المكرمة التي تكمن في مخططات ولي العهد تشهد كثافة تنموية وسكانية، وفي المستقبل بإذن الله سوف تكون من المناطق الرئيسة في مدينة مكة المكرمة، وللحفاظ على هذه الأسماء التاريخية قامت أمانة العاصمة المقدسة بالرفع إلى مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة خالد الفيصل، ووزارة الشؤون البلدية والقروية، بطلب الموافقة على إطلاق الأسماء التاريخية القديمة مع إضافة كلمة الجديد لتكون متداولة بين المجتمع».

ورفض الشريف المخاوف من الخلط بين الأحياء القديمة والجديدة، وقال «هذا الجيل يعلم هذه المناطق التاريخية، ولكن ماذا سيحدث بعدها؟.. الأجيال القادمة ستندثر لديها أسماء الأحياء التاريخية، وستبدأ نسيانها، لذا جاءت خطوة الأمانة لتحافظ على الأسماء القديمة حية كإرث تاريخي، وقد تم طرح هذه المسميات ومناقشتها من لجنة التسمية والترقيم في أمانة العاصمة المقدسة برئاسة الأمين المهندس محمد القويحص، ولا خشية من الخلط لأن اللوحات ستوضح أسباب التسميات ومعناها وتؤصل لها تاريخيا».

وأوضح أن «الأجيال القادمة لو بحثت في الأسماء التاريخية لوجدتها مأخوذة من الاسم الأصلي الذي كان في محيط المنطقة المركزية والقريب من المسجد الحرام»، مبينا أن هناك مؤيدين كثر لهذه الفكرة، مثلما يعارضها البعض، وقال «لكن الأكيد أن أمانة العاصمة المقدسة والجهات المعنية ذات العلاقة تحترم التاريخ، وترى أنه من منظور احترام التاريخ لا بد من المحافظة على هذه الأسماء التاريخية بحيث تعرّف بها الأجيال القادمة، وتحثهم على البحث عنها».

وبين أن «موافقة مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل على هذه التسميات جاءت، وبمباركة مجلس المنطقة الذي يضم أعيان الأدب والتاريخ والثقافة في مكة المكرمة، كما جاءت الموافقة من وزارة الشؤون البلدية والقروية بإطلاق المسميات التاريخية، وإضافة لها كلمة الجديد حتى تكون متداولة، وذلك للحفاظ عليه، وهذا يتماشى مع طور الحداثة والتكنولوجيا، وفي طور المعرفة التي ستكون مستقبلية أكثر من كونها مراقبة للتاريخ، ومن هذا المنطلق تبنت أمانة العاصمة المقدسة هذا المشروع للحفاظ عليه من الاندثار، وربطه بالمحيط من حيث إضافة مسمى اسم الحي التاريخي بإضافة كلمة الجديد».

وشدد على أن «أمانة العاصمة المقدسة منفتحة على كل الاقتراحات، وهي سترفض حتما كل ما يشوبه شائبة أنه غير إسلامي أو غير تراثي أو غير متوافق مع عاداتنا وتقاليدنا وحضارتنا».

أحياء مكة المكرمة التاريخية

شعب عامر

ينسب إلى عامر بن لؤي

يعد جزءا من شعب بني هاشم

يقال له المجمع لما جمع قصي بن كلاب من حرب خزاعة ورأسته قريش فجمع أمرهم بعد التشتت

حوصر النبي صلى الله عليه وسلم في بطنه

يسمى المطابخ حيث كانت فيه مطابخ «تبع» حين جاء إلى مكة وكسا الكعبة ونحر البدن

يقع شمال شرق المسجد الحرام بعد شعب علي (مولد علي بن أبي طالب) وبيوت لبني هاشم

كانت الجهات الشرقية منه مساكن لبني عبدالمطلب في الجاهلية

حارة الباب

تقع في مدخل مكة الغربي بحي الشبيكة

منها كان دخول الصحابي خالد بن الوليد يوم الفتح

كان مغرز رايته عند أول بيوت مكة المكرمة

بني علي هذا الموضع المسجد المعروف بمسجد خالد بن الوليد ويقع على يمين الصاعد من الحرم إلى التنعيم

القشاشية

حارة مكيّة تاريخية، محاذية للحرم المكي

قصد بها المكان الواقع بين الميلين في المسعى

القشاشون هم بائعو الحرير

تنسب إلى الشيخ أحمد القشاشي من عهد الأتراك بمكة المكرمة

تقع في الجهة الشرقية من المسجد الحرام

الشامية

يمتد تاريخها إلى 5 قرون

تقع شمال المسجد الحرام

نشأت عام 923 للهجرة مع الوجود العثماني في المنطقة

اختلف المؤرخون في سبب تسميتها، والشائع، أنها تعود لوقوعها في «شام الحرم» أي شماله

وقيل إن السوريين (الشوام) كانوا يعرضون منتجات بلادهم في هذا المكان

أزيلت ضمن أعمال توسعة المسجد الحرام عام 1429 للهجرة

السوق الصغير

يقع في الناحية الغربية من المسجد الحرام

تمت إزالته وإدخال مساحته ضمن الساحات الغربية للمسجد الحرام

أقيم تحته نفق سمى نفق السوق الصغير

كان عبارة عن دكاكين الجزارة على يسار الداخل من الجهة الغربية لبيع اللحم والرؤوس والسقط ومكانهم هذا يسمى زقاق الرواسة

يقع السوق الصغير في منطقة تضم المسفلة والشبيكة والشامية

واجهته الشرقية نحو الحرم المكي الشريف

واجهته الغربية ناحية الشبيكة وحارة الباب وريع الرسام

واجهته الشمالية نحو الشامية والفلق والقرارة

واجهته الجنوبية كان جزء منها ناحية المسفلة

الجودرية

يتاخم المسجد الحرام

يعتقد أنه مكان مولد الرسول صلي الله عليه وسلم

أدخل ضمن مشروع توسعة الساحات الشمالية للحرم

يتميز الحي بكثرة المخارج والطرق

عرف بضيق شوارعه وصبغته القديمة