دلة مقلوبة على الأرض، وعصا مرسلة مع ابن تنوب عن والده في حضور مناسبة، وفنجان على دلة القهوة، وصحن ممتلئ بلحم نيء بين ذبيحتين مطبوختين، وتقديم سلاح لأهل الفقيد تعويضا عن فقيدهم.. مجموعة من الصور يتم تداولها، ويروّج لها كثيرون، ويصورونها على أنها عادات مجتمعية لها مدلولات ومعان، وهي تنتشر في مواقع التواصل الاجتماعي انتشار النار في الهشيم، وتطرح تساؤلات عدة عنها وحولها، وحول رمزيتها ودلالاتها، ورأى البعض أنها عادات مستحدثة دخيلة، وأنه ليس لها أي معنى، وأنهم لأول مرة يشاهدونها، فيما رأى آخرون أنها عادات مهجورة أو قليلة التكرار.

وعلى الرغم من أن هذه الصور، تُطرح كأنها عادات، إلا أن كثيرين يرون أنها لا تستحق أن توصف بأنها كذلك، ويرون أنها أشياء مقحمة، ومبتكرة، وليس لها في أعراف المجتمع أي أصول أو جذور، ويعيدون نشر البعض لها إلى بحثه عن الشهرة، وأن تداول الآخرين لها وحديثهم عنها لا يعدو أن يكون رغبة منهم في الاستطلاع وحب المعرفة.

ويوصي كثيرون باللجوء إلى كبار السن للتيقن من مدى صحة ما يتم تداوله، وما إن كان يشكل عادات مجتمعية لها جذورها، وما إن كانت تمس ما اعتاده المجتمع وقبائله وأعرافه، أو ما إن كانت مجرد أشياء طارئة، ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي، والابتعاد التدريجي عن العادات التي سادت لفترات، في رواجها.

بعيدا عن العقل

يقول محمد القحص «أعتقد أن الصور التي تنتشر حاليا على بعض مواقع التواصل الاجتماعي، وتوصف بأنها تتحدث عن عادات مجتمعية أو قبلية، ليست سوى ادعاءات دخيلة على المجتمع، أسبابها زيادة النعمة، ولجوء البعض إلى أشياء لا يقبلها العقل ولا المنطق، مثل شخص تدعوه إلى مناسبة فيرسل عصاه مع ولده لتمثله، وكأنه حاضر في المناسبة.. مثل هذه الأشياء لا أصل لها، وكذلك تقديم ذبيحة لحم نيء ووضعها بين «مفطحين» مطبوخين، وهذه مبتدعة، فالكريم سابقا هو من يذبح «منيح» عياله لضيفانه، والمنيح هي الشاة التي بها لبن، أو النعجة أو الناقة ذات اللبن، وهناك من يقدم سلاحا رشاشا عوضاً في وفاة الفقيد، فهذه أيضا لا يقبلها العقل، فالأشياء الدخيلة تعدت على كثير من عاداتنا الأصيلة في إكرام الضيف والزواج، وحتى العزاء لم يسلم من الخزعبلات».

المدلولات والمعاني

يضيف القحص «يسهم بعض مواقع التواصل في نشر صور هذه الأشياء الدخيلة على العادات الأصيلة، وكل من ينشر هذه الصور ويطلب مدلولاتها ومعانيها هدفه الظهور والبروز، وهناك من يبتكر صورا نتيجة للفراغ ويستخدم أسماء مستعارة، ويعرفها على أنها عادات، فيما في الأصل هي أشياء دخيلة، وأنصح كل من يتداول مثل هذه الرموز أو المدلولات، بالعودة إلى كبار السن للتأكد من صحتها، قبل نشرها في مواقع التواصل الاجتماعي».

قرية صغيرة

يذكر الراوي التراثي ناصر الصقور أن مواقع التواصل الاجتماعي، جعلت العالم قرية صغيرة، فما بالك بالمملكة التي تمتاز بترابطها بالعادات والتقاليد والقبائل، والصور التي يتم تداولها قد تكون فعلا دلالة ورموزا لعادات، ربما تكون مطبقة أو متداولة في الشمال ومعروفة ومطبقة في الجنوب، وحتى خارج المملكة، ويتم توضيحها للمتسائلين عنها من خلال الرجوع إلى كبار السن، باعتبارهم الأقرب إلى تلك العادات، وربما تشير الصورة أو السؤال إلى عادة قديمة طمست، أو ربما تكون مجهولة في مدينة ومعروفة في أخرى، فمثلا صورة دلة القهوة أو كما هي معروفة بـ«المصفى» وهي مقلوبة على الأرض، يقصد بها العزاء، أو أن من يضعها بهذا الوقت يعلن أن هناك قتيلا من ذويه ولم يأخذ بثأره بعد، أما الدلة التي توضع عليها سكين، فهذه غير معروفة وتعد من الأشياء المستحدثة، وإن كان البعض يشير إلى أنها عادة معروفة ويقصد منها أن أهل البيت يعلنون أنه ليس فيه رجل، وأن على الضيف أن يذبح ذبيحته بنفسه ليتم إكرامه بها.

ابتكار العادات

يضيف الصقور «إذا كانت نية المتسائلين في وسائل التواصل عن مدلولات ورموز ما يقولون إنه عادات، غايته إحياء التراث أو إضفاء معلومة تراثية، فهذا شيء إيجابي، لكن إن كان البعض يفعل ذلك لمجرد ابتكار عادة ليست موجودة، فنتمنى منهم عدم التحريف والتزوير في التراث والعادات والتقاليد، خصوصا أن التراث ملك للجميع وليس ملكا لشخص حتى يغير أو يبدل فيه».

وأضاف «سبق أن عملت مسابقة تراثية على مواقع التواصل الاجتماعي بجوائز من خلال نشر الصور التراثية والعادات والتقاليد، لاقت تفاعل واستحسان المتابعين، وهدفت إلى التوعية ونشر المعرفة لدى الأجيال الحالية بتراث أجدادهم وآبائهم».

ويضيف «انتشرت مقاطع مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي كان هدفها إما البحث عن الشهرة أو الاستفسار عن معلومة غائبة، أو حتى التحدي الذي يُطلق بين أشخاص عدة، ودائما تتجه الأنظار إلى الشيء النادر والغامض، والأكثر صعوبة، مما ساهم في انتشار تلك المقاطع».

عادات مبتدعة

يقول الصقور «بعض العادات التي تختص بالذبائح التي تقدم لإكرام الضيف، جاءت خلال الستين عاما الماضية مع بداية الخير والنعمة، والشبعة مثل الضيف لا يقلط على ذبيحة الضيف، الذي قبله أي يجلس على الوليمة، وأيضا المفطح لم يكن موجودا في الجنوب، بل جاء من نجد، حيث كانت الذبيحة تقسم للضيف ويقوم بتقسيمها له ولأهل البيت، ولكن مع كثرة النعمة والخير صار البعض يعيب أكل التيس أو الماعز، وأصبحت هناك عادات مبتدعة».

ويصف «من العادات الجديدة والطارئة كذلك البوفيه المفتوح، وإن كانت عادة حميدة يتم اللجوء إليها في بعض المناسبات، حيث يؤكل من الطعام والباقي يكون نظيفا ليأكل منه الآخرون أو ليتم التصدق به للمحتاجين، ومن العادات القديمة الحميدة من خلال المقولة «من حبه الله جمع ضيفانه» ويكون فيها أكثر من ضيف على ذبيحة واحدة، بعيدا عن «الهياط» والتبذير، وذلك لأن إكرام الضيف ليس في الطعام بل بالحفاوة به».

عدم التصديق

يرى المستشار القانوني سعود آل فطيح أن انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، ساهم بشكل مباشر في نشر المحتوى بنوعيه الإيجابي والسلبي، وقال «كلنا متفقون على نشر المحتوى الإيجابي، ولكن يكمن الخلاف في المحتوى السلبي، وهل ما ينشر فيه على أنه عادات مجتمعية هي أشياء دخيلة على هذا المجتمع، وغير معروفة الأصل، وغير متوارثة عن الأجداد والآباء، أم أنها فعلا عادات معروفة في مكان ومجهولة في آخر، أو عادات أهملت وكادت تتوارى مع الوقت».

ونفى آل فطيح التأثير السلبي لنشر بعض الأشياء، وتصويرها على أنها عادات مجتمعية، مشيراً إلى أن العادات والتقاليد المتأصلة في المجتمع، والتي تحولت نتيجة القبول إلى أعراف ملزمة للجميع، لا يمكن تشويهها بصورة أو مقطع، خصوصا مع الوعي بأهمية العادات المتأصلة والالتفاف حول كبار السن وتعّلم تلك العادات منهم».

ومع ذلك، يطالب آل فطيح بمحاسبة كل من ينشر أو يروج لأشياء دخيلة، مشيراً إلى أن العرف يعد مصدراً من مصادر القانون، وهناك عدد من التعريفات لمفهوم العرف الذي يعد مجموعة القواعد، التي نشأت من تكرار اتباعها بصفة مُلزِمة من جانب أعضاء المجتمع، لتنظيم العلاقات بينهم بعد أن ثبت في اعتقادهم بأنها تتمتع بوصف الإلزام القانوني، ويتوفر فيها عنصر الجزاء عند مخالفة أحكامها، ويقصد أيضا بالعرف اعتياد الناس على اتباع سلوك معين في مسألة معينة، مع تولد الاعتقاد بإلزامه وضرورة احترام هذا السلوك، واعتباره قاعدة قانونية تقتضي معاقبة من يخالفها».

ويكمل «العقوبة هنا غير مقننة في وقتنا الحاضر، ولا بد من وضع تشريعات تحافظ على كيان المجتمع وتكويناته وعاداته وتقاليده، وأشدد على أهمية التوعية في بناء ثقة المجتمع في العادات والتقاليد، التي تتوافق مع الشريعة الإسلامية السمحة، والتي تنم عن ترابط وتكاتف المجتمع».

صور تم تداولها على أنها عادات

- إرسال العصا مع الابن للحضور نيابة عن أبيه في المناسبات

- تقديم السلاح لأهل الفقيد كتعويض في فقيدهم.

- دلة القهوة مقلوبة على الأرض

- وضع سكين على دله القهوة

- صحن يوضع فيه لحم ذبيحة نيء بين مفطحين مطبوخين

- فنجان على دلة

- البوفيه المفتوح