انتبه وأنت تضع لابنتك أو ابنك قواعد وقوانين يعيش بها في حياته، أنك لا تأتي في يوم من الأيام وتلومه على أنه يطبقها بحذافيرها، ولا يستطيع تغييرها، بل وتتهمه بالتطرف والمغالاة في تنفيذ ما قلته له ثم نسيت.

ومما تأسس عليه عقله في بداية البنيان والتشكل، وتصر على أن يغيره ويتبنى فكرا وقواعد تتناسب مع ما تراه جديدا أو يعجبك، فيبغض أقرانه. لا تكن كصاحب البيت الذي لا يعجبه حائط بناه بيديه، ولكي يغيره يحاول إزالة اللبنات القائم عليها الأساس فينهار فوق رأسه، فلا هو قوم الجدار ولا عدل الحائط. أبناؤنا صناعة أيدينا وحاصل بنائنا، نحن قدوتهم والمحرك الأول الذي وضع أساس شخصياتهم، نرى أخطاءنا وعيوبنا في كل تصرف يصدر منهم، وكذلك إيجابياتنا إذا كانت موجودة فإنها حفرت بداخلهم.

نحن الذين وجهنا ووضعنا القوانين والأسس التي يسيرون عليها من خلال محاكاتهم لنا، وعندما يتعرضون لمشكلة ما أو عارض، ويجلس أحدنا يتحدث إليهم ونكون نحن على الجانب الآخر غير مقتنعين بما يوجهه أحدنا لهم من لوم وتقويم غير مقبول، وفي بعض الأحيان بصورة تزداد فجاجة وغلظة. فكيف ينظرون إلينا؟

من الضروري أن نسأل أنفسنا هذا السؤال، هل نحن مقتنعون بما نربيهم عليه؟

إذا كنا متحضرين منفتحين على العالم حولنا لا يهمنا ما يلبسون وما يقولون وما يفعلون. أو شديدي التحفظ والتزمت لا نسمح لهم برؤية العالم من حولهم ونصور العالم لهم وكأنه مجموعة من المتربصين بالشر أو اللوم أو الخداع وما شابه، أو نتبنى المدرسة الوسطية فلا نغالي بهذا ولا نقلل من ذلك.

وقد تكون رؤيتهم لنا ناقدة غير مقتنعة بما نقوله لهم، فيقيمونا بطريقة مغايرة، إن كنا متحفظين يميلون هم إلى التحرر أو العكس إذا كنا متحررين يميلون إلي التحفظ، وفي بعض الأحيان التدين لما يجدونه في عائلاتهم من فجاجة في الانفتاح وعدم رسم الحدود مع الغير. نضع اللبنات ونرفع الأساس ونحن لا نعلم ما بأيدينا من خامات لم نتعدها بعناية، كي تتحمل درجات الحرارة والانصهار أو البرودة والتجمد، ولم نترك لها وقتا كي تعطينا مؤشرا على ما سوف تكون عليه ولو بتجارب بسيطة.

نشكل خامة صلبة على أنها طيعة، ونشد بأيدينا على أخرى رقيقة يكسرها أي صدام ويوقعها أقل احتكاك. أن تترك لابنك أو ابنتك الحق في التجربة مع قليل من التوجيه والتقويم، خير من أن تضيع عمرك وعمره في أوامر وقواعد وقيود، يلفظها أو يطبقها، وفي الحالتين لا يحدث الرضا عن النتائج من كليكما. الحسابات الجيدة والدراسات في بناء الإنسان هي الوحيدة غير المجدية على الإطلاق، لأنه بمنتهى السهولة يملك الأبناء دائما بصمة واحدة غير مكررة، شخصية متفردة وإن كان هيكلها مشابها لك تماما.

الدراسات والحسابات من حقهم، تدخلك الوحيد من أجل الحماية والاحتواء والدعم، التعديل بالنصيحة وليس بالهدم والنقد الدائم ووضع صور كثيرة لما بناه غيرك على حائط أبنائك فلا يتحملونها ولا يطيقونها. فينهارون وتنهار معهم أحلامك وما أضعت من السنوات في محاولة البناء، والإعداد لمجرد أنك ترى دائما أن ما بنيت كوخا، وما بناه غيرك قصرا، فلا أنت أدركت القصر ولا حافظت على بناء الكوخ.

لا تغالوا بوضع أنفسكم في الحالة الملائكية، عندما تسردون لأبنائكم ما كنتم تفعلونه وأنتم في مثل سنهم، فهم يحكون عنكم دون أن يعلموا وتعلموا، لأنهم ببساطة يعكسون تربية وطبائع وأسلوب حياة قد يغاير تماما ما تحاولون أن تضعوه في قالب من نسج خيالكم، بعيدا عن الطبائع والسلوكيات اليومية التى يعرفونها عنكم، ويلمسون حقيقتها بأيديكم، وغالبا حكاياتكم لهم تفتقد للمصداقية، وذكاؤهم فقط في التعامل معكم هو ما يجعلكم تظنون أنهم يصدقون بل ويحاولون أن يكونوا مثلكم.

أنتم تسردون ما كنتم تتمنون فعله وأنتم في مثل سنهم أو ما تتمنونه لهم. صارحوهم بالأخطاء والهفوات والعثرات إلى جانب الكم الهائل من أحلام النجاح، هم يفرقون الآن بين ما يحكى وما تم إنجازه. صارحوهم فمن الجائز وقتها أن يحترموا فيكم الرغبات لا الأكاذيب وصنيع الخيال!!