«يجب على القادة اللبنانيين الاستماع لشعبهم وتنفيذ الإصلاحات ووضع حد للفساد. فرضت الولايات المتحدة اليوم عقوبات على جبران باسيل، وزير خارجية لبناني سابق وفاسد، أساء استغلال مناصبه الحكومية. شعب لبنان يستحق الأفضل»

التوقيع: وزارة الخارجية الأمريكية.

«لا العقوبات أخافتني ولا الوعود أغرتني. لا أنقلب على أي لبناني... ولا أُنقذ نفسي ليَهلك لبنان. اعتدت الظلم وتعلّمت من تاريخنا: كُتب علينا في هذا الشرق أن نحمل صليبنا كل يوم... لنبقى»

التوقيع: جبران باسيل.

اخترت أن أبدأ مقالي هذا الأسبوع بتغريدةٍ أطلقتها وزارة الخارجية الأمريكية في السادس من نوفمبر الماضي، ما استوجب رداً محفوفاً بادعاء المظلومية، من قبل الشخص المعني، وهو المتفرد بالعلاقات المشبوهة جبران باسيل، رئيس التيار الوطني الحر ووزير الخارجية اللبناني الأسبق، وصهر رئيس الجمهورية، الذي لا يملك من قرار الدولة – إن كان هناك – دولة اسمها لبنان، لا سيما بعد أن تحولت قطعة الفُسيفساء تلك إلى المحافظة الإيرانية الثانية والثلاثين، ليحكمها حسن نصر الله من جحور الضاحية، وتصبح كلمته هي العليا، ولا صوت يرتفع على صوته، ولا رأي يمكن له النفوذ دون رأي السيد، بغطاءٍ سياسي من الصهر والرئيس.

يحاول باسيل الصهر المتفرد بالسياسة اللبنانية، مصارعة التيار للتمسك بالبقاء في المشهد اللبناني، بعد إعلان وزارة المالية الأمريكية فرض عقوبات عليه، ويخدمه في ذلك عاملان، الأول التحكم بإرادة رئيس الجمهورية، والثاني ارتباطه المباشر والواضح بميليشيا حزب الله الإرهابية، التي تنتهج أجندات طائفية عابرة للقارات وغير وطنية.

وبناءً على تلك العلاقة التي تعتبر مصدر قوة للتيار العوني، اندفع الرئيس والصهر لفرض وزراء على حكومة سعد الحريري، من المحسوبين على الأحزاب السياسية، لا سيما حزب الله، وفرضا تشكيلةً تناسب الخطوات السياسية للحزب، ضاربين عرض الحائط باقتراح تشكيل الحكومة من وزراء «تكنوقراط» وغير محسوبين على الأحزاب السياسية.

أعتقد أن أزمة طرابلس تلك المدينة المترهلة، – ذات الغالبية السنية – التي اندلعت قبل أيام، كشفت المستور، وأبانت أن ثمة معركة كسر عظمٍ تدور بين محورين من الثالوث الحاكم في لبنان حسب نظامها السياسي.

الرئاسة بزعامة ميشال عون «الرئيس الشكلي» والأداة بيد الصهر وميليشيا حزب الله، ورئيس الوزراء المكلف سعد الحريري «الذي لا يعرف ما يريد» وتسبب بتشرذم طرابلس الشمال و«سُنة لبنان» على وجه التحديد. وأجزم أن ذلك يسيراً من حروبٍ تدور خلف الكواليس في الساحة السياسية اللبنانية، انكشفت من خلال التراشق الإعلامي بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء.

لكن لماذا التراشق أو الاقتتال؟ هذا سؤالٌ منطقي ومشروع، تحتاج الإجابة عليه، المرور على أمرٍ واقع، عبر الدخول في تفاصيلٍ قد لا ترضي فخامة الرئيس، ودولة الرئيس الآخر، والجواب لأن رئيس الجمهورية يُعاني من دائرة ضيقة فاسدة، وقبل ذلك جاهلة من المقربين، وعلى رأسهم الصهر جبران باسيل الطامح بإرث رئاسة الجمهورية، بالإضافة الى افتقاد الرئيس في الأساس لعناصر يُفترض وجودها في شخصية رئيس دولة، كالحضور والعدل والإنصاف وغيرها كثير.

ولأن رئيس الوزراء سعد الحريري يُعاني حسب ما أرى من الانهزامية والعودة للوراء، والهرب من المشهد السياسي في مواضع عدة، بالإضافة إلى تمترسه وراء مواقف ضعف نظير عدم قدرته على مواجهة حزب الله، المتفرد بالسلطة والقرار بالسلاح السائب، وهو الأمر الذي أضعف شكل السياسة الحريرية، وقادت صغاراً كجبران باسيل وغيره كثير، للقفز على ذلك الإرث السياسي العريق. والسبب الأهم الذي يُعاني منه الشخصان، أن الشعب اللبناني لا يعني لهما لا من قريبٍ ولا من بعيد. وبالعودة لطرابلس وأزمتها المشتعلة، ومع عدم اتفاقي مع التعبير بـ «البلطجة» والتظاهر والتراشق وإطلاق الأعيرة النارية، إلا أني على يقين أن حال اللبناني المغترب الذي يعيش تحت سماء بلاده، بلغ أقصى مراحل اليأس، لا سيما بعد نزول قوات الجيش والقوى الأمنية «الجائعة» في الأساس، لمواجهة مجموعات من «الجائعين» لحماية نظام يُعاني فساداً منقطع النظير، لا يُراعي أكثر من المصالح الشخصية لزعماء أكل على زعامتهم الدهر وشرب.

إن ما يُمكن أن يُرى في المشهد العام لتلك البقعة، ليس الشغب والتناحر فحسب، بل يضاف إليه الجوع والفقر والفساد والسلاح السائب على حساب إرثٍ ثقافي واجتماعي، كان يُشار له في مرحلةٍ تاريخيةٍ مضت، ما قاد إلى وصول كثير من الحمقى والنفعيين إلى ما لم يكُن يتوقع، حتى أصبحوا الشكل الأساسي للدولة، أو ما تبقى من دولة. إن الرسالة التي خلفتها تلك المعركة بين الرئيسين، والتي فهمها الجميع داخلياً في لبنان وخارجياً، أن الشعب اللبناني لا يتجاوز كونه كارتاً انتخابياً لدى الطُغمة الحاكمة، وهذا ما ثبت، إذ لا يعني شعب طرابلس وجميع مناطق الشمال اللبناني – التي أعرفها جيداً – للرئيس ولا صهره في الأغراض الانتخابية البرلمانية والبلدية وحتى الطلابية، وفي المقابل اتضح أنه لا يُمكن لسعد الحريري حشد «الطرابلسيين» في صفٍ واحد، ليأسهم من الانعطاف الذي أصاب السياسية الحريرية بعد توليه -أي سعد - الزعامة الروحية لسنة لبنان.

هذا ما هو واضح، وحان الوقت حسب ما أرى للكف عن المجاملات و «الطبطبة». مسكينٌ أنت يا لبنان، تعيسٌ أنت يا لبنان، اندثرت حضارتك من أدبٍ وثقافة وفنون ولم يتبق منها أثر، وانطفأ نور منارتك المُشعة، وللتناحر تفرغ رئيسان، على حساب المواطن والإنسان، وتقاسمك القريب والبعيد، من هنا «جبران»، ومن هناك «طهران».. فلك الله يا لبنان.