يضرب العم فايز بن عبدالله الشهري، الشهير بـ«دحدوح» عدة ضربات على جوانب المهراس الذي يطحن فيه القرنفل والهيل والقرفة والزنجبيل الجاف والنخوة، ليدعو بصوت ضرباته كل مار، كأنه يعلن له أن «القهوة جاهزة».

وببساطته وبشاشته وكلمات الترحاب المتتالية يستقبل العم دحدوح زوارهن في داره العامرة التي تعد من أقدم البيوت على بداية طريق منتزه الأربوعة في تنومة، والتي تحولت إلى متحف يعبق ليس فقط بالتراث وقطعه وتذكاراته وطقوسه، بل وكذلك بحكايات صاحبة البعيدة عن التكلف والمتحشدة بالمزاج اللطيف الذي يشعر الضيوف بحلاوة المكان، وطراوة اللسان.

مركز الملك عبدالله للوثائق

حوّل العم دحدوح داره أو حصنه التراثي إلى مركز للوثائق والصور القديمة حمل مسمى «مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله للوثائق».

وهو يقول «تم تحويل الحصن إلى هذا المسمى بعد عود الملك عبدالله رحمه الله من رحلة علاجية، وابتهاجًا بهذه العودة أطلقت اسمه على الحصن ليكون مركزًا للوثائق والصور التي لدي».

ويروي قصة حصلت له مع الملك عبدالله، ويقول «كنت في مهرجان الجنادرية للتراث، وكنت أعرض قديما بعض التراثيات واستقبل الزوار، حتى مرّ خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله رحمه الله وكان وليًّا للعهد وقتئذ، فقلت له بصوت عالٍ: تفضل يا طويل العمر.. القهوة، وكان بيدي دلة صغيرة، إلا أنه قال لي ممازحًا: هذه الدلة صغيرة ولن تكفي قهوتها لي ولمن معي، فرددت عليه: هذي الدلة اسمها مروية، وقد روت أناسا كثيرين، وبإذن الله ترويك أنت ومرافقيك».

ويحوي الحصن عددًا من القطع التراثية والأزياء القديمة وأدوات نادرة، كما يحتوي المركز على صور ووثائق ومخطوطات تم حفظها بجهود ذاتية معروضة لزوار الحصن.

زوار على مدار السنة

بتواضع جميل بقول يقول العم دحدوح «لا أتكلم باسم دار دحدوح، ولم أخصص المتحف وهذا المكان ليحمل اسمي، هو باسم محافظة تنومة عمومًا، وحتى الحصن الذي كان يحوي القطع الأثرية كنت قد أسميته «حصن تنومة للتراث»، وهو الآن يحوي مخطوطات وصور ووثائق نادرة وبعض القطع الأثرية من أسلحة قديمة وأدوات زراعية وأثاث وملابس قديمة».

ويضيف «كان يزورني هنا عدد من الضيوف، بينهم زوار أجنب من خارج المملكة، وذات يوم زارني الأمير طلال بن تركي أمير منطقة عسير حاليًا، وكان حينئذ نائب أمير المنطقة، ووجه بوضع لوحة على الشارع أمام البيت باللغتين العربية والانجليزية تحمل اسم «دار دحدوح»، ومن بعدها تضاعفت الزيارات والوفود من أمراء ولجان وجمعيات وأعضاء لمجالس وإدارات مختلفة من كلا الجنسين، كما زارتني بعض القنوات الفضائية والبرامج المختلفة».

قهوة القرنفل والهيل

يستقبل العم دحدوح ضيوفه بالترحيب، ويستضيفهم بداية في مجلسه الخارجي الذي يضم أنواعًا وقطع عدة من التراث، وعلى نار الحطب يجهز القهوة العربية لأي ضيف عابر، أو حتى ضيف بموعد مسبق، ويضع وعاء من البهارات العربية أما ضيفه، ويقول «هنا خمسة أصناف من البهار، ضع ما تشاء منها في (المهراس) وبالكميات التي تريدها لتكون قهوتك على ذوقك».

يحتوي الوعاء على القرنفل والهيل والقرفة والزنجبيل الجاف (الحَوَار) والنخوة، حيث يضعها في «المهراس» أو ما يسمى «النجر» ليتم طحنها، ويصدر صوتًا بضرب المهراس على جوانبه بعد عدد من الضربات للطحن كي يسمع المارة في الطريق الصوت، ويعلمون أن هناك قهوة جاهزة.

كما يقرب وعاء من التمر، ويسال ضيفوفه «ما اسم الوعاء الذي كان فيه التمر قبل هذا الوعاء». ويستدرك «ستعرفون الإجابة بعد تذوق التمر».

يعرف الضيوف لاحقًا أن التمر الفاخر الذي قدم كان محفوظًا في وعاء تراثي من الجلد اسمه «الشنّة» يشبه القربة، ويقدم للضيف الذي يقدم الإجابة هدية عبارة عن «مصنف وغراز من الطيب والريحان».

نواة محطة كهرباء

يحكي العم دحدوح بكثير من التأثر بعض حكاياته للضيوف، وبصوت فيه من الحزن ما يكفي يتحدث عمن فقدهم من أصدقائه، وهو يشبههم بأضلاع المظلة أو كما يقول (الشمسية)، ويقول «هي تحتوي على 8 أضلاع طويلة»، وهي في تشبيهه «شيوخ قبائل تنومة قديمًا»، وقد كانوا أصدقاء مقربين له ويساندونه، كما تحتوي المظلة التي يتحدث عنها عن 8 دعامات داخلية هم بالنسبة له شيوخ قبائل من النماص وبللسمر عرفهم سابقان ويعلق «ذهبوا كلهم رحمهم الله».

ويكمل «المظلة تقي الإنسان الذي يحملها من الشمس والمطر والبَرد في العواصف.. وأنا الآن افتقد هذه المظلة».

ثم يروي قصة أخرى عن جذع شجرة في أحد زوايا المكان يعلوها حجر اسمنتي كبير، ويقول «هذه نواة لأول محطة كهرباء في تنومة، فقد اشتريت مولدات للطاقة الكهربائية بعد أن كانت الكهرباء متوفرة في المراكز المجاورة لتنومة دون أن تصلها.. كان ذلك منذ 45 عامًا وأكثر، وكان المولد مثبت على هذه القطعة الإسمنتية، وبعدها وصلت الكهرباء ولله الحمد، ونسيت مكان المولد، وجحين كنت أجري بعض الترميمات والحفر، وجدت هذا الحجر الإسمنتي والشجرة القديمة التي كانت موقع المولد الكهربائي، فوضعتهما في الفناء أمام الزوار بهذا الشكل لأذكر نفسي ومن يراهما بالتطور والخدمات التي نعيشها في هذه البلاد الطيبة».

غياب الدعم

يقول هشام الشهري، وهو صديق لأبناء العم دحدوح «يزور الناس الحصن والعم دحدوح ويحبونه لأنه يقدم التراث بشكل مبسط بعيد عن التكلف، فهو يمازح ضيوفه ويروي لهم قصصا خفيفة تضفي جوًّا من الحميمية على المكان، كما يجعل الضيف يشارك في إعداد القهوة ويبتعد عن الرسمية في الترحيب، وهذا ما يجعله حصنه مزارًا سياحيًّا لأغلب زوار تنومة، بل أصبح أيقونة لا يفوّتها من يزور تنومة لأول مرة».

ويتساءل متابعون «لماذا لا يتم إدراج دار دحدوح ضمن فعاليات صيف تنومة؟، أو لماذا لا يجد الدعم من الجهات المعنية؟».

عوامل تغري بزيارة الحصن

ـ يضم عددًا من القطع التراثية

ـ يضم مركزًا للوثاق والصور

ـ يقدم العم دحدوح التراث لزوراه بشكل مبسط وبعيد عن التكلف

يمازح ضيوفه ويروي لهم قصصًا خفيفة

يضفي بأسلوبه جوًّا من الحميمية على المكان

يجعل الضيف يشارك في إعداد القهوة

يبتعد عن الرسمية في الترحيب.