يقول الزميل برجس البرجس في إحدى تغريداته إنه ذهب لأحد الهايبر ماركت والتي تملك علامة تجارية على مستوى المملكة، وأن تعامل الموظفين هناك كان يظهر عدم الحماس للعمل، وكأنهم يتمنون خروج العميل و«يرتاحون» منه، فبادر بسؤال أحدهم لماذا أنتم غير مرتاحين في العمل، هل الشركة لا تعطيكم رواتبكم أم ماذا؟. أنا من سأجيبك أستاذي برجس، فمن يعمل منا في قطاع التجزئة بشكل عام، يعلم مثلا أن هذا المتجر وغيره قد تم تشغيله سابقًا من قبل وافدين من شرق آسيا خصوصًا، وهم بطبيعة الحال لم يأت أحد منهم هنا لـ«يلعب» مثلا، بل ليجمع أكبر قدر من المال، ويعود لدياره التي بها مستوى التنافسية على لقمة الأكل عالية جدا، وقد اعتاد على هذا المستوى من المعيشة منذ أن كان طفلا، فتجده يفرح بيوم العمل ويتمنى أن يعمل 18 ساعة في اليوم ودون راحة، حتى يجمع أكبر قدر من المال أولا، ولا يجد وقتًا لـ «يبعزق» فلوسه، وكذلك لا يجد متسعًا من الوقت ليفكر بأسرته وغربته. أتذكر أن المدير أعطى أحد العمالة في متجر قريب يومًا إضافيا للراحة، وكأنه قتله، فما إن وصل باص الموظفين إلا وهو معهم ولكن لم يرتد ملابس العمل، وبعد سؤاله عن سبب حضوره معهم أجاب قائلا: (أنا ايش سوي برى)، فهو سيأكل مع زملائه وينتظرهم حتى يخرجوا من العمل ويعود معهم بالباص نفسه، وبالتالي لن يذهب «منا منا» ويضيع فلوسه على أي شيء داخل المملكة، فالسكن والمواصلات والكهرباء والماء والأكل على حساب الشركة، والباقي لا يحتاجه.

فأتى يوم وسعودت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية قطاع التجزئة، والتاجر قد اعتاد على أقل مبلغ يصرفه على الموارد البشرية مقابل أن يجدهم يعملون إلى 16 ساعة يوميًا، وهم مرتاحون وهو مرتاح، فأتى الشاب السعودي، وهو متعلم ومتحضر للعمل بأناقة ونظافة وترتيب، فتفاجأ بأنه مطلوب منه العمل لمدة 48 ساعة أسبوعيًا على الأقل، في حال لم نحتسب أنه مطالب بإغلاق المتجر وإنهاء اليومية وإغلاق الحسابات، وهذا يتطلب منه ساعة أو ساعتين إضافية للإغلاق، والشركة بطبيعة الحال تقول له ليس هناك Over Time ولا «بطيخ» لأننا لم نجبرك على البقاء فنحن نقول لك أغلق المتجر الساعة 11 ليلًا، وما بعدها «مش شغلنا» وتبدأ هنا رياح العناء والاستغلال بلا مقابل، ناهيك عن أن العمل فترتان، فمثلا لو أخذنا موظف مستشفى خاصا وهو يعتبر من الوظائف المريحة، تجد الشاب قد صحى من الساعة 8 صباحًا وعاد إلى بيته 1 ظهرًا، وصحى مرة أخرى من الساعة 3 عصرًا وعاد لمنزله الساعة 10 مساء فقط ليعمل 8 ساعات في اليوم ولمدة 6 أيام في الأسبوع، فهل من الممكن لشاب يعيش في بلده وبين أسرته وأصدقائه، أن يعيش يومه كاملا ما بين ذهاب وإياب لفترتين من العمل وفي النهاية راتبه لا يتخطى الـ 4000 ريال إلا بقليل، والسبب هو معدلات الـ KPI التي تضعها الإدارة بأن لا تتجاوز المصروفات على الموارد البشرية لهذا الشهر مثلا 10% من إجمالي الدخل، وهنا لا بد أن يؤكل الموظف لحمًا ويرمى عظمًا، حتى لا ترتفع المصروفات على الموارد البشرية، و«تخرب» سمعة المدير التنفيذي البالغ مرتبه 120 ألفا أمام مجلس الإدارة، وبالتالي من يعمل بلا تقدير، سيبدأ في الاحتراق الوظيفي، وتظهر جميع مشاعره على من يتواصل معهم يوميا وأقربهم الزبائن لأن إدارته نسيت أنه (لولا زبونك ما استمريت).