ما أشبه الأمس باليوم، فما يحدث الآن هو بالضبط نسخة مكررة من سيناريو ما حدث في العام الماضي، ولكن الفرق أن غموض الحدث المستجد على العالم وشراسته، التي باغتتنا على حين غفلة، أعطتنا العذر سابقا في التراخي دون قصد في تطبيق الإجراءات الإحترازية، لأن الأمر كان جديدا علينا وعلى العالم كله، أما ما يحدث الآن فلا عذر لنا فيه أبدا.

لا أدري متى سيرتفع حس المسؤولية عند البعض، ومتى سنوقف مروجي الشائعات عند حدهم، ومتى سنكون عونا لكل الجهود التي بذلت وتبذل في سبيل السيطرة على كورونا؟

متى سنقدر حجم التكاليف الباهظة التي تسبب فيها الفيروس منذ فبراير 2020 وحتى الآن، متى سنستوعب كم من روح غالية فقدناها بسبب هذا المرض الشرس، وكم روح سنفقدها ما دمنا بهذه اللامبالاة؟!.

فهل يعقل أن يصل الاستهتار من البعض إلى درجة التحايل الذي لا مبرر له لارتياد أماكن التسلية والمطاعم، حتى بعد صدور قرار منع التجمعات!.

هل يستحق كوب قهوة أن نتجمع لأجله، وهل يستحق الجو الجميل أن نخرج في نزهة لأجل متعة فيه، وهل لابد من شراء ملابس واكسسوارات في ظل هذه الظروف، وهل لابد لمشهور أو مشهورة من إعلانات لمنتج وترويج له في ظل هذه المستجدات؟.

للأسف تهاون بعضنا يجعل البعض يسدد فاتورة الخطأ من صحته وربما حياته، وهو لا ذنب له رغم كل احترازاته وحرصه والتزامه بالتعليمات.

ما زال ألم أجسادنا ونفسياتنا يئن من تجربة العام الماضي الصعبة، التي كان الضغط فيها فوق المعتاد، ومع ذلك كنا أهلا للمسؤولية والانضباط، واستطعنا خلق واقع جديد يسمح لنا بالتكيف والالتزام والنجاة بفضل الله ثم الحزم والوعي من بين أعداد الغارقين، ما أهلنا بجدارة لإشادات دولية في ذلك، حيث كانت أرقامنا الأخف ضررا من بقية دول، كان سقوط أنظمتها الصحية خارجا عن نطاق التفكير أو التصديق، لكنها سقطت في الوقت الذي أوصلنا به عون الله ثم عزم وحزم قيادة ضحت بكل شيء لأجل أن تحمي مواطنيها من كل ضرر قريب أو بعيد، وعندما توفر اللقاح لم تفرق بين مواطن ومقيم، بل رفعت شعار الإنسان أولا، وقدمت كل ما تستطيع بدون تكلفة على أحد وسبقت دولا عدة في ذلك.

الآن نحن في خضم حرب جديدة مع فيروس متلون، قادر على زعزعة صحتنا بسهولة، مالم نتخذ الحيطة والحذر في ذلك.

لنا أكثر من شهرين ونحن على علم بالفيروس المتحول المتجدد، ورغم كل النداءات وتصريحات المسؤولين بتوخي الحذر، والالتزام بالأساليب الوقائية، ولكن لم يكن التجاوب كما يجب ولم يكن التفاعل في حد المأمول منه.. وها نحن اليوم نكاد وللأسف أن نعود لنقطة البداية من جديد، ونبدأ في فرض واقع صعب جدا علينا، ولكن لا حل أمامنا سواه.

لماذا لا نستطيع أن نواجة المستجدات بمسؤوليه نابعة من الذات، دون الحاجة لقرار متشدد وحزم بالغ، وهذه مشكلة للأسف، كوننا لا نبادر بالمسؤولية واستشعارها من ذاتنا دون فرضها وإقرارها من جهات عليا.

ومع هذا يبقى الجانب المشرق، والذي يطمئننا أن الجهات المعنية أصبحت الآن أكثر خبرة ودراية وسيطرة عن ذي قبل، وأصبحت خارطة الطريق واضحة، والاستعدادات متطورة تقنيا وبإدارة كفاءات بشرية نفرح أنها بيننا.

«كلنا مسؤول» بدأناها من الأمس.. وسنعيشها اليوم بالقوة نفسها، فكلنا في مرمى الواجب، لكي ننتصر لوطننا ومجتمعاتنا بكل تداعيتها للوصول لبر الأمان.. لا خروج أو اجتماع إلا للحاجة، لا اجتماعات مباشرة، عن بعد نستطيع عمل كل شيء، ولا بد من التفاعل مع تطبيق توكلنا وحماية أنفسنا والآخرين، ولابد لكل المراقبين والمفتشين التشديد على ذلك والحزم، وإيقاف التساهل واللامبالاة التي لدى فئة لا تقدر ولا تثمن الحاجة إليه.

لا نزال في البداية، ولا نزال نملك الفرصة لتجنب تداعيات كثيرة، لا نريد أرقام العام الماضي وفواجعه، ولا نريد عزل أحبة لنا في دور مخصصة ومستشفيات، ولا نريد أن نفقد عزيزا أو نظل أسرى لأخبار مؤلمة!.

كثير من الدول المتقدمة التي تراخت العام الماضي دفعت الثمن في الأخير، وها هي اليوم تفرض تشددا لا رحمة فيه، لأن ما خسرته وكلفها لم يكن سهلا، ونحن ولله الحمد أقل وجعا منهم، ولكننا سنلحق بهم إن غادرنا الوعي واتبعنا الهوى، ومارسنا ما لا يليق بشعب ملكه سلمان وولي عهده محمد.

ما يجب أن نكون مدركين له واعين به، أن الدولة بكل مؤسساتها التي تعمل بطاقتها القصوى، لتخرجنا من عنق زجاجة الجائحة، تستطيع التحكم في القوانين والمحاذير العامة، ولكنها لا تستطيع أن تدخل كل بيت لتراقب تطبيق الاحترازات، وحسب تصريح وزارة الصحة فالأعداد في تزايد سريع، ورسالتها «لا تجمعات لا تجمعات لا تجمعات». فالمناسبات الاجتماعية هي السبب الرئيس في رفع درجة الخطر إلى اللون الأصفر، الحذر الذي نسأل الله ألا يتعداه إلى أحمر الخطر، بعد أن كنا في أخضر الأمان.

كلنا مسؤول وليتنا نكون بقدر الثقة والمسؤولية التي منحت لنا.