«هنا انتهت علاقتنا بالمولود لا نريد أن نسمع عنه المزيد». هذه العبارة التي قالها لي والد أحد المرضى استوقفتني كثيراً، أعرف أن ولادة طفل لديه تشوهات صعبة أمر محزن، وأؤمن أن الوحدة أكثر ألماً، إن كُتب لهذا الطفل أن يموت فمن الأفضل أن يموت في حضن والديه، وإن أراد الله له الحياة فأفضل من يوفر له حياة كريمة هما والداه. اهتمام الأبوين يُحسّن مخرجات أي حالة مرضية لدى الطفل. سألت نفسي هل كان سيتغير الموقف لو كان الأبوان على خبر بتشوهات المولود أثناء الحمل؟ وهل سيتقبلان الحالة لو قُدّم لهما الدعم النفسي أثناء الحمل! أخبرتني أم حينما علمت أثناء الحمل أن جنينها لديه تشوهات شديدة، وغالباً سيولد ميتاً أو سيموت بعد الولادة أنها طلبت أن يتركوا مولودها في حضنها بعد الولادة ومات المولود في حضنها، قالت لم أرغب أن يموت وحيداً، فإن اجتمع المرض والوحدة والموت في إنسان، فلا خير في الإنسانية، فكيف في من له والدان على قيد الحياة.

المتابعة مهمة جداً أثناء الحمل، وذلك لممعرفة أي مستجدات على الجنين، وبالطبع لمتابعة صحة المرآة الحامل، وهذه الخدمة متوفرة في أغلب مراكز الرعاية الصحية الأولية، وفي المستشفيات التي تقدم خدمات الطفولة والأمومة، ولكن هناك من يفضل أن يتابع في بعض المستوصفات الخاصة التي تفتقر أحياناً إلى الأجهزة والتقنيات المتقدمة، فبالتالي لا تشخص الحالات بشكل جيد، ويُصدم الأبوان عند ولادة طفل لديه تشوهات خلقية، وليست لديهما أي خلفية عن ماهية هذه التشوهات، ويجهلان ما هو مصير مولودهما، فيكون ربما الحل الأبسط لهما هو التخلي عنه، بالطبع هو ليس بالخيار السهل ولكنه الأقرب، لأنه ليس لديهما أي قرار آخر فالمفاجأة لم تكن في الحسبان. التشخيص المبكر سيتيح لهما فرصة التفكير والاستعداد النفسي، وكذلك لا بد من إحالة الأبوين لطبيب نفسي لمساعدتهما في تجاوز الأمر وتقبله، والعمل مع فريق العناية المركزة لحديثي الولادة لوضع خطة علاج هذا الطفل والحلول المتاحة ومناقشتها مع الأبوين، حتى عملية إنعاش الطفل تناقش قبل ولادته فهناك بالفعل تشوهات مميتة، ولا يُرجى برؤها، هذا هو السيناريو المثالي الذي يُفترض أن يحدث، وهو المتابعة الجيدة في مركز جيد والتشخيص المبكر ودعم الأبوين نفسياً، ووضع خطة ما بعد ولادة الطفل. ولكن في حال مريضي لم يتم التشخيص مبكراً، لأن الأم كانت تتابع في مستوصف خاص وتم التشخيص بعد الولادة. هل هذا هو الطفل الوحيد الذي يتخلى عنه أبواه بعد معرفتهم بتشوهاته!! للأسف لا، ويبقى هؤلاء الأطفال في وحدات العناية المركزة، منهم من يحتاج التغذية عن طريق الأنبوب أو يحتاج لشفط مستمر للإفرازات التنفسية، وفي أغلب الأحيان يحتاج إلى يدٍ حانية وصوت يخفف من آلامه. هؤلاء الأطفال يحتلون أسرة في وحدات العناية المركزة ممكن أن يستفيد منها مريض آخر حالته حرجة، لذلك نحن بحاجة ملحة لمراكز للأطفال، متخصصة للرعاية الطبية الممتدة في كل منطقة، لتخفيف العبء على وحدات العنايات المركزة وأقسام الأطفال، والاستفادة من الأسرة بشكل أفضل، وكذلك توفير الخدمة الصحية لهذه الفئة المغلوبة على أمرها في مكان أفضل من وحدات العناية التي يزيد فيها معدل الإصابة بالالتهابات.