(الشعر في نجد). لا يمكن أن نغفل هذا الجانب الأدبي دون الإشارة إليه بما يقتضيه المقام وما يتسع له النطاق، أما الشعر في نجد فله نصيبه الموفور على ألسنة قائليه من الشعراء في المدن والحواضر، كما هو الحال في أمثالها من مدن البلاد العربية. وهو شعر عربي فصيح، كثيرًا ما تنشره صحف المملكة العربية السعودية وصحف غيرها من البلاد الأخرى. وليس هذا موضوع بحثنا وإنما أردنا الكلام عن الشعر في بادية نجد، ذلك بأن الشعر العربي الفصيح أشوق ما تكون الأسماع متلهفة عليه حين يصدر من رجل البادية الذي لم تتأثر عربيته بعجمة، ولم يتطرق إلى فصاحته لكنة ولكن أهو كذلك في بادية نجد؟! الواقع أن الشعر العربي في بادية نجد هو كغيره في مختلف البوادي من ناحية تشابه الأسلوب وتقارب اللهجات، ومن ناحية عزوفه عن الفصاحة التي عرف بها في بادية غابر الزمان وفي حواضر الأجيال. فالشعراء في البوادي ينطقون الشعر بلهجاتهم الخاصة التي هي وإن لم تتطرق إليها عجمة الأعاجم، فقد غمرها تحريف في الألفاظ كاد يخرج بها عن محيط الشعر، وليس ذلك وحده بل ساعده عدوان آخر هو التحرر من قيود الشعر وأوزانه ودقة قوافيه. إلى جانب القيود العلمية الأخرى المتصلة بفنون الشعر من نحو وعروض وصرف وبيان وغير ذلك. ومع ذلك فالشعراء في بادية نجد وغيرها من البوادي يرتجلون الشعر ارتجالًا على الأسلوب الآنف الذكر، فيجيء حفيلًا بالمعاني المستساغة، مليئًا بالأفكار والآراء وإن كان محررًا من كل قيود الشعر. على أن هناك طائفة من أهل البوادي ارتادوا الحضر في مناسبات مختلفة من تجارة أو غيرها ممن يحملون نفوسًا شاعرة، فتعدلت لهجاتهم فكان لذلك أثره في منطوقهم. وجاء منظومهم خاليًا من التعقيد بعض الشيء، وقد أشار إلى ذلك سعادة الأستاذ فؤاد بك حمزة في كتابه «قلب جزيرة العرب»، وأفرد له بحثًا طريفًا أورد فيه نماذج من شعر البوادي من صفحة 99 إلى صفحة 105 فليراجعه من شاء المزيد من البحث. وليست قصة على بن الجهم ببعيدة عن أذهان الأدباء وقد عرفوا منها كيف دخل من البادية إلى بغداد بدوي جلف يقول لأميرها في غير تعثر ولا تعلثم:

أنت كالكلب في حفاظك للود

وكالتيس في قراع الخطوب


حتى هم أن يبطش به رجال الأمير، لولا أنه استمهلهم عليه صبرًا حتى اجتاحته رقة الحضر فعاد يقول:

عيون المها بين الرصافة والجسر

جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري

ومن الأمثلة الطريفة التي نحب أن نوردها ختامًا لهذا البحث أبيات رقيقة من الشعر قالها نجدي من صميم البادية، ولكن ليس من أمثال الذين عناهم الأستاذ فؤاد بك حمزة في صفحاته المشار إليها بل هو ممن عنيتهم في سياق العبارة المتقدمة عن شعراء البادية المتحضرين هو الشيخ عبدالعزيز بن فوزان قال:

سر حبيب القلب سقها الرياحْ

بالسلامه

واطو وسط الليل هاتيك البطاحْ

والكرامه

واترع الأقداح من نخب الملاحْ

بالغمامه

واشد ياخلي، وغرد لصباحْ

يا حمامه

يا عروس الروض نادتك تهامة