على مدى سنوات تجاوزت أحيانا الـ60 عاما، تناقلت أجيال بعض العائلات على الأخص في محافظة محايل عسير مهارة إعداد الحنيذ، وهي مهنة انتقلت من الأجداد إلى الأبناء لتصبح بمثابة الموروث الثقافي الاجتماعي، والإرث العائلي.

والحنيذ من أشهر الأكلات الخليجية الشعبية، ومن أقدم الوجبات في تاريخ جزيرة العرب، ويعد طريقة لطهي اللحوم، ويطبخ عادةً في إقليم تهامة وأجزاء من اليمن والسراة، وتقوم فكرته على إنضاج اللحم بالحرارة، وأن يندى الدهن على اللحم وما تلاه من الأسفل من أرز أو غيره، ويحرص طابخوه على أن يكون جمر التنور متوهجا دون لهب، حتى لا ينفصل اللحم عن العظم، كما أنهم يغلفون حفرة الطبخ بإحكام لمنع دخول الهواء وبالتالي منع اشتعال النار التي قد تحرق اللحم الذي ينضح من الحرارة العالية على الرغم من انطفاء النار.

قلة المهرة

على الرغم من انتشار هذه الوجبة في أغلب مناطق المملكة، وفي جنوبها على وجه الخصوص، إلا أن معديها المهرة قلة، خاصة المهرة الذين يعملون في المطابخ الشعبية والمطابخ التي تعد الولائم، وفي البيوت الخاصة والرحلات، وينفرد في إعدادها عادة كبار السن مستخدمين أنواعا من الحطب والأعشاب، التي تضفي على اللحم نكهة ومذاقًا خاصين.

50 ذبيحة يوميا

في محافظة محايل عسير، حيث يعد الحنيذ عنوان الكرم التهامي اشتهر «بن عواض» الابن كواحد من أشهر الشباب المهرة في طهي وبيع لحم الحنيذ، وهو يقول لـ«الوطن» خلال جولة لها في المحافظة «الإقبال على لحم الحنيذ كبير من الأهالي والزوار، لما لهذه الوجبة من مذاق خاص ولذيذ ومميز، ويتزايد الإقبال في مواسم العطل الرسمية سواء في فصلي الصيف أو الشتاء، حيث يوجد لدي زبائن من محايل وخارجها».

وكشف أنه يذبح من 40 إلى 50 رأسا من الغنم يوميا، ربما تزيد قليلا حسب الطلب.

طريقة قديمة

اشتهر كثير من قبائل منطقتي جازان وعسير في إعداد وجبة الحنيذ بطرق قديمة وبدائية وتقليدية في المناسبات وغيرها، وتوارثت أجيالها طريقة الإعداد هذه حتى اليوم، وبرزت قبيلة آل حدرة في مركز ريم، في المحافظة على تراثها القديم في هذا الجانب.

يقول الشيخ محمد بن علي الحدري «كنا نحضر الحنيذ قديما بحفر حفرة دائرية في الأرض تتسع للكمية المعدة من الذبائح والخبز «العيش»، ونستخدم في ذلك حطبا من شجر الأراك (الرديف باللهجة المحلية)، وهناك شجر حطبه أفضل للحنيذ اسمه (قطف) يليه في الجودة (الرديف ثم السمر)، ثم يضاف إلى الحطب حجر، والأفضل في الحجر (المرو)، ثم نشعل النار وعندما يستوي الحطب جمرا نخرج ما لم تأكله النيران تجنبا لانبعاث الدخان منه عند دفن الذبيحة».

ويضيف «ثم نأتي بشجر (السلع أو المرخ)، ونفرشه على النار، والسلع أفضل تجنبا للاحتراق وانبعاث الدخان، نعقبه بوضع اللحم الثقال مثل الظهر والأرجل والرؤوس والرقاب، وكذلك العصوب والضلوع إن كان اللحم قليلاً، ثم يأتي دور (المشاقيب) وهي أعواد صغيرة من الأراك اليابس أو البشام، ثم نعقبه بـ(الخبار) وهو سعف الدوم بعد تنظيفه من الخمل والتراب ونضعه فوق المشاقيب، ثم نضع عليه العيش وهو أنواع من الدخن أو الخمير أو البر ويطلق عليه مسمى (الكعمه)عندنا، ويطلق عليه آخرون اسم (مخبز) ثم نغطيه بالخبار ثم تدفن (المحنذة أو الملة)، ويوقت لها من ساعة إلى ساعتين على حسب الكمية ونوع اللحم الكبير والصغير، ثم نخفى المحنذة ويتم تقديمه للضيوف مع الأرز وبقية مكملات السفرة.

سر الطعم

يؤكد الحدري أن السر في الطعم المميز للحنيذ يعود إلى ثلاثة أمور مهمة، أولا جودة الذبيحة، وثانياً شارية الذابح أي الشخص الذي يذبح الذبيحة، وثالثا طريقة الإعداد الجيد (الحطب، والأعشاب من مرخ وسلع)، وتجتمع كل هذه العوامل لمنح الحنيذ طعما مميزا».

وبين أن في كل قبيلة متخصصين في إعداد الحنيذ، منهم من وقف تخصصه على جماعته ورفاقه كرما لا مهنة، وبينهم معظم أفراد قبيلته الذين لا يعملون بهذا المجال كمهنة، وأن هناك من يعمل في إعداد الحنيذ للتكسب، وقال «هذا لا يعيبه ولا يقلل من قدره».

وعن أشهر طابخي الحنيذ في المنطقة يقول «عرفنا من أهل الدرب أمثال ديلبي وغيره، ورجال من محائل مشهورين مثل الريشي وبن عواض وآخرين»، مبينا أن التحديث لحق بإعداد الحنيذ حيث حل القصدير محل الخبار، والأكياس محل الدفن.

مستلزمات الحنيذ

- ذبيحة

- حفرة

- حطب

- المرخ

- السلع

أسرار المذاق المميز للحنيذ

- جودة الذبيحة

- شارية الذابح

- طريقة الإعداد