أجمع عدد من المهتمين بالحقوق والمعالجين للنزاعات على أن التشريعات القضائية وحزمة الأنظمة المرتقبة التي كشف عن قرب صدورها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ستكون علاجا للخصومات وستحد من تدفق القضايا للمحاكم، ومن شأنها أن تعالج المنازعات قبل وقوعها بمعرفة مآلاتها قبل الدخول في منازعاتها، ومن شأنها تقليل أمد التقاضي، وتجعل المتقاضين على معرفة بالأحكام قبل النطق بها بسبب وجود النص الواضح القطعي الذي لا يقبل معه الاجتهاد أو التأويل.

التقنين والتأطير

قال المحامي والمستشار القانوني الدكتور عبدالعزيز الشبرمي لـ«الوطن»: أمارس العمل الحقوقي منذ 20 عاما، وأجد نفسي وأمثالي يتطلعون لنصوص قاطعة، وقواعد آمرة، وتشريعات واضحة في العديد من المسائل التي ينشأ عنها الخصومات والمنازعات أمام القضاء، والتي تختلف فيها المناهج والمدارس القضائية، وبالتالي هي الجديرة أن تتناولها تلك التشريعات القضائية بالتقنين والتأطير، ومن ضمنها وسائل الإثبات التي ذكرها ولي العهد.


وأضاف أن المواد القضائية تنص على أن الصكوك الصادرة من المحاكم وكتابات العدل لها الحجية الذاتية، ولا يجوز الطعن فيها إلا بالتزوير، لكنها لم تجرّم الصورية في تلك الصكوك، أو تمنع سماعها، لاسيما مع استمرار المرتهنين في رهن الأصول المملوكة للراهنين على هيئة البيع الصوري تفاديا من اللجوء للمحاكم في استيفاء الدين من العين المرهونة، والتي غالبا ما تكون قيمتها أضعاف قيمة الرهن فيحصل الطمع والظلم ومن ثم الخصومة والنزاع، ولو صدر نص قانوني يقضي بعدم سماع دعوى الصورية في تلك الصكوك مهما كان المبرر لها - بعد منح مدة كافية لمعالجة أصحاب الصورية في الصكوك الشرعية- لكان ذلك إعذاراً مقبولاً من شأنه أن يقلل تدفق المنازعات على المحاكم، ويجعل المخالفين في موقف القناعة واليقين نتيجة رد دعاواهم، لاسيما أن محاصرة الصورية في ملكية الصكوك العقارية وتصحيحها يعين أيضا على تنفيذ السندات التنفيذية في حق كل مدين متهرب من الوفاء قام بتسجيل أملاكه العقارية باسم الغير، ومن شأنه تحديد ملاءة كل مواطن لاسيما موظفي القطاع العام، ونظار الأوقاف، وموظفي القطاع الثالث، ومعرفة مدى توافق ذلك مع مدخولاتهم الشهرية.

كوارث حقوقية

أشار الشبرمي إلى أن إصدار السندات التنفيذية - خصوصا السند لأمر- بطريقة بدائية، واستمرار قبول التوقيع على بياض باعتباره تفويضا من الساحب للمستفيد، واعتبار رأي الخبير (الظني) فيصلاً في صحة السند التنفيذي (المليوني) والإلزام به، تسبب في كوارث حقوقية دمرت بيوتا بأكملها، ومع إنشاء وزارة العدل لبوابة (نافذ) الإلكترونية المربوطة بنظام (أبشر) لإنشاء السندات لأمر، ووجود الموثقين الذين يعملون طوال ساعات اليوم، وأيام الأسبوع، ومع فساد الذمم، وجرأة حامل الورقة العادية الموقعة على بياض وتحويلها لورقة تجارية بمبالغ كبيرة جدا، تحتم السياسة الشرعية منع إصدار أي سند تنفيذي إلا من خلال الموثقين، أو من خلال بوابة «نافذ» العدلية التي تقضي على مظلوميات الناس، وتقطع حيل المزورين، وبالتالي نعالج الآلاف من منازعات التنفيذ، ودعاوى استرداد الحيازة، ودعاوى عدم مشروعية الاستحقاق لموضوع السندات التنفيذية.

الكفالة الغرمية

تطرق الشبرمي إلى أن الكفالة الغرمية للمبالغ الكبيرة من ذوي الدخل المحدود، وآثارها الكارثية دون أي مصلحة لأحد، وما يطعن فيها من دعاوى التزوير، أو الجهالة والتغرير، يتطلب تقنينا يجعلها لا تتم إلا من خلال موثق معتمد، وبعد التحقق من جدواها بصدورها من ذي ملاءة ويسار.

وأفاد بأن تحصين الأحكام القضائية من سماع طلبات التماس إعادة النظر المتكررة بعد مدة محددة، وتعميق فكرة القضاء المؤسسي الذي لا يجعل الأحكام النهائية عرضة للالتماس وإعادة المرافعة أو النقض بسبب تغير أعضاء الدائرة القضائية مهم جداً لاستقرار القضاء، واطمئنان المتقاضين لقضاء مؤسسي لا فردي، وهذا ما أكد عليه وزير العدل في مناسبات متعددة، ولذلك هو بحاجة لتنظيم صارم يحصّن الأحكام القضائية وللأبد.

تقنين الاجتهادات

أوضح المحامي حسن البريك بأن التشريعات القضائية سيكون لها مردود كبير وبناء في مختلف القضايا والحقوق وخاصة في القضايا التي تعتمد على اجتهادات القضاة في مختلف المدارس القضائية، وسيتم وضع النقاط على الحروف كما يقال. وأضاف: سيتعرف كل المتنازعين على جميع الأحكام التي تختص بكل قضية.

‫وأوضح البريك بأن الجميع سيتلمس الأثر الهادف من التشريعات المرتقبة، التي بالتأكيد تم رصدها بعناية فائقة لإحقاق الحقوق والسير على النهج القويم وفق أسس ثابته ورصينة وأحكام سليمة وفق تعليمات ديننا الإسلامي الحنيف ولا شك بأنها ستحقق التطلعات المنشودة.

المنظومة تعالج مشاكل منها:

- بناء الأحكام على شهادات مستأجرة عن حقوق لم تكن مشاهدة رغم وضوحها في العادة مظنة الكذب مع فساد ذمم البعض

- اشتهار أخذ الأجرة على الشهادة والحيل الباطلة فيها

- طول مدة سماع الدعاوى بسبب التقادم المانع من سماعها والذي كان متروكا لتقدير القاضي

- المنازعات في فرقة الأزواج الذين يتخذ بعضهم المحاكم حلبة للصراع والانتقام والتشفي

- مشاكل قبول دعاوى النفقات الماضية دون معيار زمني محدد

- غياب محددات الحضانة واستحقاقها

- خضوع مقدار النفقة ومواعيد الزيارة للتقدير غير المنضبط من خبير غير متخصص

- غياب النص المجرّم للمتلاعبين بمشاعر الطفولة وتجييشها ضد الآخر

- عدم وجود نص يجرّم حرمان أحد الأبوين من أولاده