أورد ابن القيم، رحمه الله، عشرين إيرادا حول الآية الكريمة «اهدنا الصراط المستقيم»، ثم أجاب عنها، وكان أحد هذه الإيرادات قوله: إن كل مؤمن مأمور بهذا الدعاء «اهدنا الصراط المستقيم» أمرا لازما لا يقوم غيره مقامه، ولا بد منه في الصلاة، فما وجه السؤال لأمر حاصل وكيف يطلب تحصيل الحاصل؟

فكان مما قاله في إجابته عن هذا الإيراد، أن الهدى التام المطلوب لا يحصل للعبد إلا بعد أمور هو محتاج إليها حاجة لا غنى له عنها وهي:

1- معرفته في جميع ما يأتيه ويذره بكونه محبوبا للرب تعالى مرضيا له فيؤثره، وكونه مغضوبا له مسخوطا عليه فيجتنبه، فإن نقص من هذا العلم والمعرفة شيء نقص من الهداية التامة بحسبه.

2- أن يكون مريدا لجميع ما يحب الله منه أن يفعله عازما عليه، ومريدا لترك جميع ما نهى الله عازما على تركه، بعد خطوره بالبال مفصلا، وعازما على تركه من حيث الجملة مجملا، فإن نقص من إرادته لذلك شيء نقص من الهدى التام بحسب ما نقص من الإرادة.

3- أن يكون قائما به فعلا وتركا، فإن نقص من فعله شيء نقص من هداه بحسبه.

4- هناك أمور هدي إليها جملة ولم يهتد إلى تفاصيلها، فهو محتاج إلى هداية التفصيل فيها.

5- هناك أمور هدي إليها من وجه دون وجه، فهو محتاج إلى تمام الهداية فيها لتكمل له هدايتها.

6- هناك أمور هدي إليها تفصيلا من جميع وجوهها، فهو محتاج إلى الاستمرار إلى الهداية والدوام عليها.

7- هناك أمور وقعت منه على غير جهة الاستقامة فهو محتاج إلى تداركها بالتوبة منها وتبديلها بغيرها.

فإن قيل إذا تم ذلك كله، فما وجه سؤال الهداية وهي موجودة؟

فالجواب: لتثبت وتدوم ويدوم عليها، وبهذا يُعلَم أنه ليس أعظم ضرورة للإنسان منه إلى سؤال الله الهداية، أصلها وتفصيلها علما وعملا والتثبيت عليها والدوام إلى الممات، فالعبد مفتقر إلى الهداية في كل نَفَس في جميع ما يأتيه ويذره، ومفتقر إلى مزيد العلم بالهدى على الدوام فليس له أنفع وأحوج من سؤال الله الهداية، فنسأل الله أن يهدينا الصراط المستقيم وأن يثبت قلوبنا على دينه.