لماذا يبحث البعض فقط عن الأشخاص الذين تجمعهم نقاط مشتركة؟ ويرفض الاستماع ويستبعد من يختلف عنه؟، أيًّا كان هذا الاختلاف سواءً في نوع الشخصية، المهنة، الرأي والفكر، أو حتى في الاختلاف المادي! وغيره كثير.

* لطالما كان هذا الاختلاف لا ينافي ديننا الحنيف، ولا فطرة الإسلام السليمة، ولا يسيء لمجتمع ولا يتعدى على فئة.. لماذا لا يتقبل؟ ولا ينصت إليه؟.

من الطبيعي والوارد أن يكون هناك تباين واختلاف بين البشر ولا يوجد توأمان يتشابهان بكل شيء أو نسخة من بعضهما، وقد يختلفان من جميع النواحي في الشخصية، الأسلوب، الرؤية، الإرادة، التفكير، المنطق، الطموح، التعليم، شغف المعرفة.. وهما توأمان.. فما بالك ببقية الناس ببيئاتهم المختلفة؟.

تقبل الاختلاف بين الآخرين هنا ليس بمبدأ التأييد أو الرفض، بل بمعنى الإنصات واحترام وتقبل الآخرين كما هم وبجميع الفروقات بينكم، وتعلم الإصغاء ومحاولة لفهم واستيعاب الأمور بمنطق الشخص الآخر، وعدم الاستخفاف أو الاستنقاص من أفكارهم، آمالهم، سماتهم وشخصياتهم وغيرها.. فهي تمثل وتعكس داخل أصحابها.

وأنت لا تعرف كيف نشأ هذا الشخص و كيف هي خبايا حياته، إن كنت لا ترى عدا الظاهر لك منها!

ومهما كنت تعتقد أو تظن بأنك قريب من هذا الشخص وتعرفه! تأكد بأنك لا تعرف عنه إلا ما أراد هو الآخر لك معرفته فكشف عنه لك.

وجد الاختلاف بين البشر لسد الفجوات والثغرات بين البشر ولكي يكمل بعضنا الآخر، ويكمن عُمران وجودنا بهذه الحياة ليس بتكديس جميع أشباهنا حولنا أو الذين تجمع بيننا وبينهم نقاط مشتركة.

وإذا عدت إلى أصل الاختلاف الخارجي «السطحي» الذي تراه في كل إنسان على وجه الأرض قد تشكل في الأصل وجاء حصرًا لعدة أمور وظروف: البيئة، التربية، الأسرة، السمات الشخصية، الأخلاق، القيم والمبادئ، مستوى التعليم، الثقافة، ضغوط وصعوبة الحياة.. وغيرها فهي تختلف وتتفاوت من شخص لآخر وهي التي تصقل شخصية الإنسان فينشأ هذا الاختلاف، ربما تشترك مع فرد في واحدة أو أكثر لكنك ستختلف عنه بالبقية لذا لن يكون هو نسخة منك أو يشبهك.

من الوعي والنضج الفكري أن يتقبل الإنسان الآخرين باختلافهم بل ويمكنه الاندماج معهم والاستفادة من طريقة تفكيرهم بتنقيح الجواهر من الشوائب وأخذ ما ينفعه و ترك مالا ينفعه، فبالتأكيد ستجد هناك فائدة واحدة على الأقل من كل إنسان تقابله بحياتك.

تقبل الآخرين باختلافهم والانسجام معهم يشبه التنزه بين فصول السنة الأربعة ومعرفة الاستمتاع بكل فصل، وعكس هذا يشبه العيش والبقاء بفصلٍ واحد.

والاختلافات بين البشر أشبه بالمصباح الذي يضيء عقلك بعد قراءة كتاب الذي يجعلك تبحر وتتفكر في عقل المؤلف ويساعدك في فهم ورؤية الأمور من منظور آخر، فيرتفع أفقك وتتضح رؤيتك وتتوسع مداركك ودائرة «طرق» الحلول، قد تكون سابقا تدور حول طريقة واحدة لحل جميع مشاكلك وأحيانًا تكون هذه الطريقة غير مجدية! فربما يكون منظارك «تفكيرك» يرى القمر لوحده حزين في حين يرى شخص آخر بمنظاره «تفكيره» درب التبانة منير.

من التعصب الفكري والأنانية محاولة تشكيل الآخرين بما تراه أنت صائبًا ومحاولة التأثير عليهم وانتقادهم باستمرار واستخفافك والبخس بقيمة وأهمية ومعنى ما يسعى إليه غيرك، وبتكرارك للتعصب لآرائك دون غيرك فإنك تسبب فجوات وهاوية وتقطع جسر التواصل والتفاهم والود الذي بينكم.. فحياة الآخرين لا تدور حولك ونيل رضاك عنهم ليس مرادهم بحياتهم الدنيا.

الانصات لعقول الآخرين والتمعن بأفكارهم بإدراك لفهم الأمور من زوايا مختلفة وألا تكون متعصبًا لأفكارك ربما تكون قناعتك أنت خاطئة فتحرم نفسك المعرفة والصواب ويفوتك كثير.