«اكسر الجرة وراك».. مقولة طالما ترددت على أسماعنا وجعلت من الجرة بطلة كثير من الحكايات الشعبية المتناقضة والأساطير المتضاربة، فثمة من دعا إلى كسرها لتوديع النحس والتفاؤل بالخير، وثمة من نادى بحفظها دفعا للشر، وثمة من تحدث عن استخدامات رمزية أخرى كثيرة، حتى أصبحت وعاء الأحلام الذي يمكن ملؤه بأي خرافة.

مكانة مرموقة

يقول الباحث محمد ضياء الدين «بالكشف عن الخرافات والأساطير التي حفلت بها المدونات التاريخية القديمة، فقد صارت الجرة التي تحمل الماء للعطاشى إلهاما للعامة والمثقفين - على حد سواء - فبالغوا بذكرها حتى تناولتها الكتب «القصص» القديمة، ونُسجت حولها عدد من الأساطير والتفسيرات الخيالية التي أكسبتها قداسة شعبية خلدتها في أذهان الناس، ولعل ما يحسن ذكره أن الدولة العبيدية «الفاطمية» إبان حكمها لمصر كانت سبب إلهام الفنانين بحاملة الجرة، وكان سبب انتشار الجرة المحمولة على أكتاف السيدات، أن النساء كُن يمنعن من الخروج في المساء (آخر النهار) وكنّ يحملن الجرار حتى ولو كانت فارغة ليوهمن رجال الشرطة أن خروجهن أو تأخرهن في العودة عن منازلهن كان لضرورة الحاجة للماء».

إحياء الخرافة

أثارت طريقة عدد من الفنانين الذين ودعوا عام 2020، واستقبلوا عام 2021 بتكسير «القلل» أو الجرار حفيظة مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، الذين اعتبروا أعمالهم إحياء للخرافة، مؤكدين أن «المؤمن لا يمكن أن يحمّل الدهر ما يحل به من أقدار».

وكان عدد من الفنانين كسروا عددا من الجرار في وداع العام 2020، كتعبير عن عدم رضاهم على ما شهده من أحداث جسام وأزمات شديد، في مقدمتها تفشي فيروس كورونا، وتسببه في إغلاق عالمي وأزمات اقتصادية كثيرة.

طرد النحس

تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي اعتراضات على تصرف موظف أردني قام بكسر جرة بعد خروج وزير من الوزارة التي يعمل فيها، وتباينت ردود الأفعال في تفسير فعله، فالبعض نادى بضرورة وجود علاقة جيدة بين المسؤولين والموظفين الذين يعملون معهم، وأن الموظف لم يكسر جرة خلف الوزير في رمزية على عدم الرغبة في عودته، إلا بعد تأزمه وضياع حقوقه الوظيفية، في المقابل طالب آخرون بإنزال أقصى العقوبات بالموظف الذي أساء للوزير بكسر الجرة لأن فعله يمثل أعظم معاني الكره في العرف الشعبي.

عرف سائد

يقول ضياء الدين «كسر الجرة الفخارية على عتبات أبواب المنازل كان عرفا معمولا به عند العرب، وغالباً ما كانوا يفعلونه عند مغادرة شخص يعتقد أنه جلب لهم الحسد، أو أحد من أصحاب النفوذ الذي يخشون سطوته، أو رجل معروف بالطمع والجشع يعتقدون أنه أكثر النظر لما في أيديهم، ويسارع هؤلاء طلبا لفك النحس إلى كسر الجرار الفخارية فور مغادرته منزلهم، حتى لا يبقى أثر شر له، وتيمنا بقطع قدمه عنهم حتى لا يعود إلى منزلهم».

ويضيف «يفسر بعض كبار السن كسر الجرة بمعنى كأن من يكسر الجرة يقول لمن كُسرت في أعقاب خروجه: لا تعد لنا حتى لطلب الماء، وهذه جرتنا نكسرها أمامك.. والعجيب أن هذه العادات انتشرت في المغرب العربي بنظرة إيجابية فيكسرون الجرة خلف ابنتهم العروس رغبة بأن تعمر ابنتهم في بيت الزوجية ولا تعود إليهم مطلقة».

الثراء من الجرة

عاث كثير من طلاب الثراء السريع فسادا في مواقع حيوية وأثرية، وهم يلهثون خلف أحلام الجرة الذهبية، وعزز من تكاثرهم تلك الحكايات الخرافية والصور التي ينشرها متهمون بغسيل الأموال حول قصص العثور على جرار ذهبية، ما ساهم بانتشار عدد كبير من الباحثين عن تلك الجرار متسببين بتدمير مواقع تاريخية وأثرية خلال بحثهم عن الجرة الذهبية التي يتوقعون أنها حفظت كنوز الهاربين من سطوة المحتل، والتي تركوها في مواقع يصعب تغير معالمها مثل الآثار حتى يعود أصحابها الأصليون لأخذها لاحقاً.

وداع النحس

اعتاد بعض سكان عدد من مناطق الخليج على كسر الجرة بنهاية صفر وبداية ربيع الأول، كما يسارع من تعرض لمصيبة أو فقد قريب أو حبيب لكسر الجرة للخلاص من الحزن والنحس، واستجلاب أيام السعد والتفاؤل، ويعتقدون أنهم بكسرهم للجرة على عتبة الأبواب يكونون قد ودعوا أيام وشهور النحس واستقبلوا أيام السعد.

وتعد عادة كسر الجرة في هذا التوقيت تحديداً من العادات القديمة التي يعتقد أنها تعود لاعتقاد عربي قديم يصنف شهور العام لأيام سعد ونحس، ويرسخ مفاهيم خاطئة أن الحزن لعنة تلازم صاحبها حتى يطردها بكسر الجرة.

مارد الجرة

على النقيض من الأعراف الشعبية المطالبة بكسر الجرة، اشتهرت تقاليد أخرى تنادي بسلامتها والحفاظ عليها، ومن بين تلك المعتقدات أن من يحل في مكان فيه جرة، أو تركت جرة لمدة طويلة لا بد لأهل الدار من الحفاظ على حالها ولا يجوز بأي حال من الأحوال فتح غطاء الجرة أو كسرها اعتقادا منهم أن الجرة جذبته إليها، وأن الحفاظ عليها من الفتح أو الكسر يمنع مارد الشر من الخروج منها، كما أنهم يؤمنون أن فتحها أو كسرها سيعيد الحزن لأهل المنزل الذين تجرؤوا على فتح غطاء الجرة.

طلاب الطب

تتكرر عادة سنوية لطلاب الجامعات، خصوصاً طلاب كليات الطب وهم يجتمعون بعد تخرجهم للاحتفال أمام جامعاتهم بكسر الجرة، وينقلون مراسم ذلك الكسر على حساباتهم في مواقع التواصل، وهم يفعلون ذلك للدلالة على أن آخر أيام الصعوبات في تجهيز وتكوين أنفسهم للحياة قد انتهت، وتمنياً بأن تكون الشهادة العليا التي حصلوا عليه آخر الأتعاب وبكسر الجرة تتبدل حياتهم للأفضل.

حاملة الجرة

وجد عدد من الفنانين التشكيليين في«حاملة الجرة» في بداية انطلاقهم فرصة للتعبير عن موهبتهم، ويفسر الفنان التشكيلي وائل الحربي أن «المعاني التي تضيفها الجرة للعمل الفني من خلال ارتباطها بذاكرة وأعراف الناس ارتبطت بهم من خلال القصص والأمثال والشعر العربي، والمفاهيم التي تكرست حول الجرة كانت مصدر إلهام للفنان، وأصبح الفن الذي يحاكي حاملة الجرة من أقرب الأعمال لقلوب الناس».

خرافات حول الجرة

- كسرها يوجع النحس

- كسرها خلف العروس يفيد الرغبة بتعميرها في بيت الزوجية

- الحفاظ عليها يدفع الشر

- كسرها للخلاص من فقد قريب أو حبيب