مرت على حرب اليمن نحو ست سنوات، شهدت الكثير من التقلبات، كان فيها الكثير من الانتصارات للشعب اليمني، وأيضًا بعض النكسات، بدأت المملكة والتحالف التدخل العسكري مضطرة بعد الغزو الحوثي الإيراني لأرجاء اليمن، وقامت بمساعدة الحكومة الشرعية.

وخلال هذه السنوات ظهرت الكثير من الإيجابيات، وأيضًا عدد لا بأس به من السلبيات، كان من أهم الإيجابيات هو الجندي السعودي، الذي كان عنوان الشجاعة والوطنية والبسالة، وضرب أروع الأمثلة في الدفاع عن وطنه، وأيضًا الدفاع عن العروبة، بالمقابل - ودون تعميم- لا ننكر أن هناك بعض الأطراف في داخل اليمن تنكرت لعروبتها، وأظهرت جميع أنواع الخيانة والتقلب، كتبت عن اليمن عدة مقالات، وذكرت بالتفاصيل لماذا طال زمن الحرب، ومن الأطراف المستفيدة، مثل مقال «اليمن لنتكلم بصراحة»، وأيضًا مقال «اليمن بحاجة للاستخبارات»، وغيرهما.

في بداية الأزمة، وعدنا وعدًا ما زلنا ننوي أن نحافظ عليه، وهو أن لا أنتقد بعض الأجهزة العسكرية والأمنية والسياسية السعودية المشاركة في حرب اليمن؛ بسبب أنه من غير المقبول، لي شخصيًا، أن يتم انتقاد هذه الأجهزة والوطن في حالة حرب، وأيضًا تقديرًا لدماء الشهداء والمصابين الذين سطروا أروع البطولات في هذه الحرب دفاعًا عن الوطن.

وقلنا بعد نهاية الحرب لكل حادث حديث، وبما أنها حرب فلا بد من وجود الأخطاء والنواقص التي تستلزم النقد والتعديل والتطوير، لكن بما أنه مرت أكثر من خمس سنوات على الحرب فإنه من الحكمة بمكان أن يتم تقييم الأداء خلال هذه السنوات، وأيضًا مراجعة الإستراتيجيات والأهداف والخطط، وأيضًا وضع موشرات للأداء، وأيضًا وضع تصور للمرحلة القادمة، ونكرر ما ذكرناه سابقًا، لو عاد بنا التاريخ للخلف فإننا ما زلنا نؤيد التدخل باليمن، ولن نسمح بوجود شوكة إيرانية وحزب الله جديد في خاصرة المملكة الجنوبية، مهما طالت الحرب، ومهما بلغت التضحيات، فلا يوجد رفاهية واستقرار اقتصادي للوطن بدون أمن.

لا شك عندي أن جميع الجهات، وهنا أعمم «وفي العادة لا أحبذ التعميم»، لكن ثقتي في وطنية جميع الجهات السعودية المشاركة في الحرب عالية للغاية، وأثق أن الجميع بذل كل ما يستطيع لنجاح المملكة في حرب اليمن، لكن ربما البعض اجتهد ولم يوفق، وربما عندما يكون الأشخاص داخل المعمعة لسنوات تغيب عنهم بعض الأمور، وهذا شي معروف؛ لذلك دائمًا ما يجلب ما يطلق عليه «العين الجديدة» أو العين الطازجة حرفيًا، وهناك أيضًا زاوية الرؤية، فمع الوقت، كما هو معروف تقل زاوية الرؤية في الأمور، خصوصًا مع دخول التفاصيل الكثيرة، لذلك إحضار من يرى الصورة من زاوية مختلفة قد يكون مفيدًا، وربما يستفيد منه من هم في داخل دائرة الأداء اليومي، أو من هم يعملون في الملف بشكل يومي، إن العمل بشكل يومي دون توقف لسنوات قد يسبب نوع الإجهاد الذي قد يغيب بعض النقاط، وهم في الأخير بشر يصيبون ويخطئون، وقد تفوت عليهم بعض الأمور.

لذلك نقترح إنشاء لجنة عليا مستقلة من المخضرمين، ومن المختصين ممن هم ليسوا على اتصال مباشر بالملف اليمني؛ لمراجعة الأداء لجميع الجهات السعودية المشاركة في اليمن، ولا نرى مانعًا حتى من إحضار خبراء دوليين بعد الاتفاق معهم على بنود السرية وعدم الإفصاح؛ ليكونوا أعضاء أو مستشارين في هذه اللجنة، وستراجع هذه اللجنة خطط وأداء كل القطاعات، مثل سفارتنا باليمن، والأجهزة العسكرية والأمنية والاستحباراتية في اليمن، وأيضًا الأداء الإعلامي للتحالف، وأيضًا مركز المساعدات وكيفية إدارته وتعامله مع الجهات الدولية التي ثبت خيانة بعضها... إلخ، وأيضا ترفع هذه اللجنة توصيات عدة، وأفضل أن تكون هذه اللجنة في أغلب أجزاء تقريرها سرية بما أننا ما زلنا في الحرب.

إن سمو ولي العهد سَن سنة حسنة، ستبقى تاريخيًا مسجلة في تاريخ إنجازاته، وهي أنه لا يعطي حصانة لكائن من كان، سابقًا كان البعض يقول الوزارات السيادية يجب أن لا تنقد، ولا يتم الكشف عن أخطاء منسوبيها، إلا أن أتى المجدد أبا سلمان وإنشاء عهد الشفافية، وأكبر دليل مكافحة الفساد، لا حصانة لأحد، وبدأ بوزارة الدفاع السيادية، وضرب مثالًا وقدوة لبقية الوزارات، فقام بقية الوزراء بالاتباع، والكل تعاون في فتح ملفات وزارته، سواء سيادية أو غير سيادية لتنظيف البلد من الفساد، وهكذا نجحت الحملة، وهكذا تكون القيادة بالقدوة.

أعرف أن مثال مكافحة الفساد مختلف عن الملف اليمني، فكلي ثقة بكل رجالات الوطن في الملف اليمني، لكن نحن نتكلم عن إيجابيات اللجان المستقلة، وكيف من الممكن أن تكون فعالة في تعديل الأوضاع إذا أعطيت كل الدعم، وربما تكون مفيدة في أعقد الملفات، إن كل الجهات في العالم تحتاج من وقت لآخر لجان تقييم مستقلة، لكي تعطيها نظرة موضوعية بأدائها ونواقصها وما تحتاجه لتطور من نفسها، من يثبت أن أداءها كان ممتازًا فإنه يُكافأ ويرقى، ومن يثبت أن اجتهاده خاطئ يعدل ويصحح.

وبعد أن تدرس هذه اللجنة العليا المستقلة الملف اليمني من كل جوانبه وأداء الأجهزة المعنية، وأيضا تعطي التوصيات، فإنه ترفع تقاريرها لسيدي الملك سلمان -حفظه الله- وسمو القائد المجدد محمد بن سلمان، وأن من يتابع سيرة وتصريحات سمو ولي العهد بشكل دائم يجدها أنها مبنية على دراسات وأدلة علمية وأرقام، وهو يؤمن بالمبدأ العلمي لدراسة وتقييم الأمور.

أكون صريحًا؛ لربما هذه اللجنة قد أنشئت وقد تكون تعمل، لكن بسب سرية هذه الأمور قد لا تظهر للعلن، لكن أرى أن حاجتنا ملحة حاليًا، بعد مرور خمس سنوات من الحرب، وأيضًا مع تغير الإدارة الأمريكية الجديدة، التي نسمع بعض الشائعات الجانبية أنها تسعى لاستخدام الملف اليمني وتنازلات فيه من أجل ملفات أخرى، من خلال إضعاف مقومات الطرف الأقوى، ولم تعد المتحدثة باسمها حتى تطلق على لقب أقوى حليفين لأمريكا في المنطقة مسمى حليفين!