حينما أقبل إلى الدنيا لم يكن سوى طفل بسيط شأنه شأن بقية أطفال جيله وقريته، لم يتميز عنهم إلا باسمه الذي أطلقه عليه والداه وهو سعيد. ومع مرور الوقت أصبح لسعيد مكانة عظيمة عند والديه وبالأخص عند والده فهو الابن الأكبر والولد المبجل صاحب الرأي السديد والعقل المتأتي السليم.

كبر سعيد وصار ذا رأي ومشورة بين أهله وعشيرته، فرغم صغر سنه إلا أنه كان مقدما في قومه فهو من بين وفود القبيلة أولهم وفي المجالس أبرزهم وفي استقبال الضيوف أكرمهم لا يتأخر عن واجب ويحرص على فعل الجميل دائما.

لم تدم حياته في القرية كثيرا على الرغم من حب أبيه له حبا يجعله معتمدا عليه في كل صغيرة وكبيرة، انتقل الابن البار مع غيره من أبناء قبيلته إلى المدينة تاركا خلفه أمه وأباه وقريته رغم حداثة سنه فهو لم يبلغ الخامسة عشرة من عمره.

في مدينة جدة التحق سعيد بالسلك العسكري وأصبح جنديا في الجيش السعودي حريصا على سمعته سديدا في عمله تشتاق نفسه بين الحين والآخر إلى والديه وقريته، يتلمس أخبارهم عبر القادمين من الجنوب.

كان سعيد يكتب رسائل لوالديه ليطمئنهم عن حاله عبر وسيط يكتب له الرسائل بأجر معلوم، وذات يوم ضاق صبر ذلك الكاتب فسبه وسب أهله ومنطقته فكانت تلك نقطة تحول في حياة سعيد مما اضطره إلى تعلم القراءة والكتابة ليمضي بعدها في سلم المجد وركب المتعلمين ومصاف المتميزين.

كان يسعى جاهدا لينتقل عمله إلى الجنوب ويصبح قريبا من والديه فهو صاحب بر عظيم بهما، لكن لم يتسن له ذلك وقد مرضت أمه مرضا شديدا مما اضطره إلى إحضار أمه إلى مكان إقامته في مدينة جدة، والإشراف على علاجها. كان سعيد محبوبا عند كل من عرفه، شهما، كريما، يساعد القادمين من الجنوب من أبناء قبيلته حتى يجدوا الوظيفة المناسبة لهم ويستضيفهم في مقر سكنه حتى يتمكنوا من الاعتماد على أنفسهم.

برز سعيد وأصبح له شأن في عمله فقد كان ضابطا في القوات المسلحة، يتردد عليه الناس حين يحتاجون المساعدة فلا يتردد في خدمتهم وقضاء حوائجهم. اعتمدت عليه أسرته كثيرا في حفظ حقوقهم، وأصبح وكيلا لهم أمام المحاكم والقضاء، ويمثلهم في اجتماعات القبيلة فقد استفاد من حياته العملية التي أكسبته الحكمة في التعامل مع الناس وسداد الرأي والمشورة عند الاختلاف.

لقد كان ينفق من ماله الكثير على أهله وقرابته دون أن ينتظر منهم رد الجميل، بنى المسكن لأهله وحفر الآبار واعتنى بالمزارع وأشرف على الكثير من أعمال أسرته وهو بذلك سعيد لأن سعادته في راحة أهله وخدمة مجتمعه. كان سعيد على قدر كبير من الفهم والإدراك يشجع على الأخلاق الحميدة، من النادر أن تجد له أعداء لأنه كان عظيما في تعامله مع أهل بيته وأسرته وجماعته وقبيلته، لا يتخلف عن أي مناسبة يدعى إليها يشارك الجميع ماديا ومعنويا، ويبادر دوما عند أي طلب ودون أي تردد.

عاش سعيد حياة مختلفة فلم تخل جميع مراحل حياته من المتاعب والصعاب، لكنه كان يتعامل معها بالصبر والأناة، لذلك حينما تجالسه لا تمل حديثه ولا تشبع من كلامه فهو لا يذكر إلا بالإحسان.

مات سعيد رحمه الله بعد مرض أصابه لم يمهله طويلا، فكان فقده على أسرته وجماعته وقبيلته كبيرا، تاركا خلفه فراغا يصعب ملئه، لكنه ورث القيم التي يعتز بها كل من عرفه لأنه كان فخر عشيرته وفقد قبيلته.