الوطن كلمة ثقيلة في معناها عظيمة في مضمونها. هي الهوية لكل مواطن ينتمي لهذه البقعة المباركة. الوطن كلمة كتبت بحبر من القلب لتصل إلى دماء شباب وشابات الوطن. جميعنا يعلم أن الوطن هو الولاء والفخر والعز والانتماء. فولاؤنا للوطن هو ولاء بلا حدود ولا قيود ما دام في نطاق الشرع المطهر وغير منتهٍ بزمان أو مكان.

المواطنة هي استشعار بأنك جزء لا يتجزأ من هذا الوطن. هو شعور ينبثق من الداخل، يوقد شعلة المشاعر والأحاسيس فتتصرف الجوارح طبقا لذلك. الوطنية الحقة ليست وطنية تملى وشعر يتغنى به وأهازيج تقصد، إنما هي حميّة غرست من الداخل منذ الصغر بالإدراك التام لتاريخ ومجد هذا الوطن العظيم وبطولات مؤسسه الملك عبدالعزيز رحمه الله، وهذا البناء لا يكتمل إلا باكتمال محاضن الغرس وهي البيت والمدرسة والشارع، فينشأ جيل عنده من الإيمان ما يعجز عنه مخربو هذا العصر، فيصبح حجرا شاقا في طريقهم. فإذا نضجت الوطنية الحقة يكون المرء آنذاك مستمتعا بالعطاء له أكثر من الأخذ منه. الوطنية يد واحدة صامدة اختزلت من أيادٍ. الوطنية أمٌ وهل يكون للشخص أكثر من أم؟، فإذا قيل الأم وطن فالوطن هو الأم الرؤوم. الوطنية هي الروح وهل قيمة الجسد إلا بالروح. الوطنية عشق لا تزعزعه اختلالات ولا تقتلعه أوهام. والبعض الآخر وطنيته قابلة للإزالة والتبدل، تذبذبه المستجدات وتربكه الشائعات وينجرف مع هذا الطوفان الهائج الضال يمنة ويسرة، إلى عالم اللا معلوم، فيجعل من أذنه وعاء لما يردده الضالون، ويؤجر عقله لغيره، فيشكلونه حسبما يكيدون دون أي بصيرة أو تبصر.

وحتى يتحقق حب الوطن عند الإنسان لا بد من تحقيق حب الدين أولا ثم حب الوطن ثانيا، لأن تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف تحث الإنسان على حب الوطن، ويبرهن ذلك ما صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أخرجه قومه أنه وقف يخاطب مكة وهو على راحلته واقفا بالحزرة مودعا لها وهي موطنه فيقول: (والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أنّي أخرجت منك ما خرجت)، يتجلى في هذا الحديث حب الرسول عليه الصلاة والسلام لوطنه ومعلم البشرية بأبي هو وأمي. فلو أدرك كل مسلم معناه لرأينا حب الوطن يتجلى في صدق المعاني وجمال الصورة. وتجد ذلك جليّا عندما تدفعك الظروف لأن تتغرب عن بلدك لأجل الدراسة أو العلاج أو أي سبب ما، فتدرك عندها المعنى الحقيقي للوطن، كيف أنك عارٍ تماما على أرضهم لا وطنية تحتمي بها، ولا عز تنشده على تلك الأرض. فقد تبكي على أطلال وطنك وتتلازم دقات الزمن مع دقات قلبك منتظرة احتضان تلك الأرض الأم، لتلبس لباس العز عند عتبة بلدك وتتنفس الحرية بحق لا كما يزعمون الحرية على أرضهم.

الولاء للوطن ليس كنقطة المطر في المحيط ليس لها أثر أو صوت! لنجعل من وطنيتنا حركة موج في المحيط، تنتشل كل ما في جعبته، فتحدث تغييرا وتكتشف مكامنه الغامضة، فتتحرك بحركته كل الكائنات التي اتسعت لها قيعانه، لنجعلها تقترب من الشاطئ فتلحق بالركب، ونستشعر أن على الشاطئ يد واحدة وهدف واحد ووطنية واحدة لا تخالجها أي شوائب، صافية صفاء الماء العذب وانسيابية رغم العوارض والعواصف.