لو عدنا إلى الديانات القديمة لحضارة ما بين النهرين، لوجدنا العزى متطابقة مع فينوس، والاثنتان تملكان الاسم نفسه السرياني الأصل لإحدى الكوكبات. اللفظ المألوف كثيراً إذا أردنا أن نقول Astre باللغة العربية الآن هو الكوكب، وهو لفظ مذكر ويتردد كثيرا في القرآن، فابن منظور الموسوعي ومؤلف معجم لسان العرب، يبين لنا أن في زمنه كان الكوكب يقال له أيضاً كوكبة، ولد في القاهرة عام 60 هـ / 1232م، ويلاحظ وهو في حرة أكثر من عامل يقولون بأن من بين جميع الكواكب يطلق على الزهرة وحدها اسم الكوكبة، أي بصيغة المؤنث، بينما تأخذ البقية كلها صيغة المذكر، أي الكوكب. والمسعودي وهو أحد المؤرخين الجادين العرب، لأنه حكاء ويغرق كثيرا في التفاصيل، كان يبدو مفتونا بموضوع عبادة الكواكب، وقد جمع معلومات هائلة عن هذا الموضوع، وقد حاول بخاصة أن يعيد تحديد العبادات جغرافيا، وأن يعرف ببيئاتها الثقافية، ولا سيما كيفية مجيئها إلى شبه الجزيرة العربية من اليونان وخصوصا من الهند. وتظهر اليمن كمركب رائد عجيب مفتوح، وناقل لكل المعارف العالمية. ويصف لنا المسعودي زيارته لمعبد مخصص للزهرة عام 336 هـ/ 947م إنه معبد غمدان في صنعاء، الذي دمره عثمان بن عفان الخليفة الثالث فيما بعد، إنه ليس سوى كومة من الخرائب تشكل تلاً كبيرا. ويحكي أنه عندما كان ملوك اليمن يصعدون قمة ذلك التل ليلاً وتشعل المشاعل، كان الناس قادرين أن يلاحظوها عن بعد 3 أيام سيرا على الأقدام. وحسب المسعودي أيضا نجد الزهرة لدى السبئيين، في المعابد المخصصة للمواد الثقافية وللكواكب، حيث تمثل بمثلث مرسوم ضمن مربع، وهذا الزخرف مألوف جداً في فننا الإسلامي، الذي نجده مرسوما على السيراميك الهندسي الذي يغطي جدران قصور الخلفاء، والمساجد من لاهور حتى مراكش. «كما كان يوجد لدى السبئيين معبد السياسة، ومعبد الضرورة، معبد الروح، وكانت تلك الصروح الثلاثة دائرية الشكل، وكان معبد زحل يرسم على شكل مسدس، ومعبد المشترى مثلثا ومعبد المريخ مستطيلا، والشمس مربعا، وعطارد مثلثا ضمن مستطيل، ومعبد الزهرة مثلثا ضمن مربع، وكان معبد القمر ثماني الأضلاع. وهذه المعابد تحوي بالنسبة للسبئيين رموزا وأسرارا لم يكونوا يبوحون بها أبدا، حان الوقت لكي نكشف هذه الأسرار، لأن حداثتنا المجيدة تعتمد في جزء منها على إحياء هذا النوع من المعرفة. فقد سمحت الدراسات الأثرية لليمن ولعبادته، بإظهار معلومات مهمة عن المقدس في تلك المنطقة، لاسيما عبادة كوكب الزهرة، وإن كانت عبادة الكواكب قد وجدت في شبه الجزيرة العربية السابقة للإسلام، فإن القرآن نفسه يشهد على ذلك، ما دام يذكر لنا الوصف الأكثر إقناعا لهذه العبادة، لاسيما في سورة الأنعام، ولم يكن يمارسها سوى سلفنا إبراهيم الذي كان يسكن آنذاك بين الرافدين والذي أنقذه الله منها «وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين» وأيضا «فلما جن عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين»، «فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين»، «فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون»، «إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين».

وهكذا فرض التوحيد نفسه للمرة الأولى في شبه الجزيرة العربية، عندما أوحيت الحقيقة إلى إبراهيم، الذي تخلى عن عبادة الكواكب والشمس والقمر أولاً، ثم نسى الناس الحقيقة المنزلة على إبراهيم، وأرسل الله أنبياء آخرين من بعده، ليذكروا بذلك شعبا من الضالين الذين ينسون باستمرار: «إسحاق ويعقوب ونوح وداود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون» «الأنعام: 84» «وزكريا ويحيى وعيسى»، «وإسماعيل واليسع ويونس ولوط»، وأخيراً شرف الله العرب بأن أوحى إلى محمد في بداية القرن السابع قرآنا عربيا، لأن الوحي نزل على الآخرين بلغات أخرى.

إذا كان أهل الكتاب الآخرون قد تذوقوا التوحيد منذ إبراهيم وتخلوا عن الكواكب، فيبدو أن العرب لم يقوموا بأية خطوة في هذا الاتجاه، فقد وجدهم محمد «صلى الله عليه وسلم» مفتونين بالنجوم أكثر من أي وقت مضى، حتى إنهم لم تكن لديهم أية رغبة في ألا يخلصوا لها وصفهم القرى، بأنهم مأخودون بشدة بهذه العبادات يأمر الله في الآية «37» من سورة فصلت بالتوقف عن السجود كلما ظهر القمر أو الشمس، لأنه ظهور بلا قيمة: «لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ». ويفسر الطبري تلك الآية قائلاً: بأن الله يعيد وضع الضالين في الأجواء الصحيحة، مبينا لهم أن الكواكب لا تدور بشكل منتظم، إلا لأنها تطيع الإرادة الإلهية، فهي دليل على وحدانيته وعظيم سلطانه: «الشمس والقمر «...» يجب ألا يعبدا لذاتهما»، هكذا يشرح الطبري، لأنهما غير قادرين على التحكم بنفسيهما، وباتباع مسارهما المحدد بانتظام شديد، والذي يسلكانه في السماء «الله هو الذي يحدد مسارهما وهما ليسا سوى علامات على قدرته». ويضيف لكي يجعل معنى الآية مفهوما أكثر: «لو أراد الله كان بإمكانه أن يخفي عنكم نورهما ويجعلكم تغطسون ضائعين في الظلمات، غير قادرين على إيجاد طريقكم وغير قادرين على رؤية أي شيء»، ومن جهة أخرى نعرف أن القرآن يذكر عبادة الشمس كما كانت تمارس في اليمن، في جنوب شبه الجزيرة العربية، حيث كانت تحكم امرأة هي ملكة سبأ المشهورة والمسماة بلقيس: «وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ». وقد هدم معبد لبني تميم كان مكرسا لعبادة الشمس وحطم صنمه. وأخيرا يجب أن نذكر أن الشمس حتى الآن كلمة مؤنثة في لغتنا العربية الجميلة، ويتحدث القرآن عن عبادة كوكب آخر، وهو الشعرى الآية «49» من سورة النجم، ويعلق الطبري على هذه الآية شارحا ً أن «الشعرى هم اسم لنجم كان بعض الأشخاص في الجاهلية يعبدونه».