ليس أسوأ من استخدام الدين لتحقيق المصالح الشخصية وإيهام بسطاء الناس بقضايا لا يفهمون تفصيلاتها، من خلال استغلال المفاهيم الدينية، حيث تستغل العواطف الدينية في القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ليس حبا في الإسلام بقدر ما هو سعي باطل لكسب الأصوات الانتخابية. وفي مثل هذه الأمور يكون من واجب كل مواطن أن يحرص على فهم ما يطرح عليه، وأن يبحث فيه ويناقشه ليكون على يقين بدور العنصر الديني في العملية الانتخابية، وللأسف إن كثيرا من المسلمين لا يفهمون دينهم ويعتقدون الصلاح والخير في كل من يتشدق بالإسلام، في حين أن العالم الإسلامي مترع بالمخادعين الذين يستخدمون الدين لأغراض دنيوية وليس إخلاصا لله ولرسوله. ولينظر الإنسان إلى ما حدث في الجزائر حيث تم ذبح المسلمين باسم الإسلام، وإلى ما يحدث في أفغانستان حيث يستحل حكامها في سبيل السلطة قتل المسلمين، في حين أنهم يعملون على إغلاق دور السينما والمسارح.

التيار الديني السياسي في كل العالم الإسلامي اليوم لا يردعه ضمير عن استغلال العاطفة الدينية لدى المسلم لتحقيق مطامعه السلطوية المندفعة، للسيطرة على مقدرات المجتمع، وللأسف أن المسلم المعاصر الذي يعيش أزمة هوية على جميع الأصعدة غير قادر فكريا على فرز الصحيح من الباطل فيما يقدمه التيار الديني من أفكار. من مظاهر الإيهام والخداع المستخدمة في زمن الانتخابات الادعاء بأن للإسلام دورا كبيرا في التنمية، وأن التيار الديني حال وصوله على أي مؤسسة سلطوية مثل مجلس الأمة أو السلطة التنفيذية سيطرح المشاريع التنموية الإسلامية، وهذا الادعاء باطل حيث إنه لا علاقة البتة بين الأديان بشكل عام والتنمية في أي بلد، كما لم يحدث خلال التاريخ الإسلامي بشكل خاص والتاريخ البشري بشكل عام أن استطاع الفكر الديني أن يقدم أفكارا تنموية. إذا ما أخذنا مصطلح التنمية من الناحية العلمية ما المقصود بمصطلح التنمية؟. التنمية بأنواعها مصطلح معاصر ليس له وجود سواء في القاموس الإسلامي لغة واصطلاحا، أو في تاريخ أمة الإسلام على مر العصور، فضلا عن أن المصطلح هو نتاج الفكر الغربي، وخاص بالدول المتخلفة أو النامية التي ظهرت في أعقاب الحرب العالمية الثانية، مما يجعل المشكلة المتصلة بالتنمية ذات مواصفات خاصة ليس للإسلام علاقة بها لا من قريب ولا من بعيد، وكل من يعتقد ذلك هو إما جاهل أو واهم أو عالم مستغل للدين لتحقيق مآربه الخاصة، كما هي حال التيار الديني. وفقا للمراجع الأكاديمية سياسة التنمية development policy تلجأ إليها أو تعتمدها الدول النامية للتخلص من التبعية الاقتصادية للأجنبي، من خلال التحول من الإنتاج البدائي إلى الإنتاج التصنيعي، ومن مؤشراتها ارتفاع مستوى الاستهلاك الفردي، وتوزيع اليد العاملة على جميع القطاعات الاقتصادية، ونمو القطاع الصناعي، وتحسين قطاع الخدمات والمواصلات، وتراكم رأس المال وتدريب التقنين والأجهزة الإدارية، وازدياد حجم المشاريع الاقتصادية، إضافة إلى تحسن وضع المرأة اقتصاديا واجتماعيا. ويلاحظ أن الكويت كدولة ظهرت في بداية الستينيات سعت من خلال المؤسسات المختلفة إلى تحقيق بعض العوامل السابقة في وقت كان المجتمع ينعم بالاستقرار الفكري الذي حطمه التيار الديني بأطروحاته البائسة التي عكرت صفو هذا الاستقرار مما خلق موجات من التدهور في المجال الثقافي والنفسي – الاجتماعي، وتداعيات ذلك كله على مجمل القضايا الأخرى، من الحقائق المتصلة بالتنمية أن الكويت بسبب امتلاكها رأس المال استطاعت خلق المجتمع الاستهلاكي، لكن قلة عدد السكان دفعها إلى إغراق البلاد بالأيدي العاملة الأجنبية. ففي الوقت الذي نجد فيه المهندس والجراح والمتخصص في الكمبيوتر نعجز عن توفير اليد العاملة لأي نشاط صناعي، والقياس على ذلك لا حدود له في كل مجال، فقد تحسن وضع المرأة اقتصاديا واجتماعيا، ولم يتحقق ذلك سياسيا لأسباب خاصة. في مقابل دول فقيرة جدا مثل بنغلاديش لديهم وضع اجتماعي وسياسي للمرأة أفضل مما في الكويت، بل تصل المأساة إلى غايتها حين تستطيع سيدة المنزل الكويتية أو المديرة أن تستخدم خادمة تمارس حقها السياسي في الانتخاب والترشيح في بلدها والسيدة الكويتية لا تملك ذلك. وجاء التيار الديني ليزيد المأساة يجعلها أكثر مأساوية من خلال الدين، بمعارضته الشديدة للحقوق السياسية للمرأة. لنبحث في العلاقة المزعومة بين الإسلام والتنمية التي يدعيها التيار الديني، ولكن لنعلم أولا وقبل كل شيء حقيقة تاريخية مهمة هي أن المدينة المنورة - مركز الدين - وانطلاق الدعوة كانت أكثر المناطق الإسلامية فقرا، وأنها كانت تعيش على الفتوحات وعلى ما يأتيها من بلاد الشام والعراق ومصر، حيث الزراعة والصناعة والحرف اليدوية. الأمر الذي يعني أن المنهج الإسلامي لا يقدم معايير مادية عملية تتصل بالعملية الإنتاجية من جهة، وأن التنمية لأي مجتمع هي نتاج الجهد الإنساني من جهة أخرى هذا قديما. أما في العصر الحديث فكلنا يعلم أن كوريا الجنوبية واليابان وتايوان من الدول الوثنية التي لا دين سماوي لها، ومع ذلك فهي من الدول المتطورة صناعيا واقتصاديا، ويمكن أن نقارن ذلك بدول إسلامية مثل باكستان وإيران وبنغلاديش حيث الفقر والتخلف. إذن الجهد والعقل الإنساني هو الأساس في التنمية، وليس الدين الذي لا يتعدى دوره الحافز النفسي للإخلاص في العمل والتفاني فيه، هذا إذا كان الإنسان قد قرر أن يستخدم الدين في هذا المجال، ومن الواضح أن بنغلاديش وباكستان على سبيل المثال فشلتا في تحويل الدين إلى عنصر بناء، والدول الخليجية لا تختلف عن بقية الدول المسماة خطأ بالإسلامية في ضعف العنصر الديني كعامل من العوامل الأساسية في التنمية، لأن الأدوات الأخرى مفقودة كالعدد السكاني وضعف الموارد الطبيعية وعدم وجود الفكر الصناعي.