تعتبر المحاسبة إحدى أهم الأدوات لقياس كفاءة أداء إدارة أعمال القطاعات كافة، بالإضافة إلى دورها الكبير في تعزيز مقومات الاقتصاد الوطني؛ لما تقدمه من خدمة بالغة الأهمية للمنشآت، إذ تعد المدخل الأساسي الذي يقوم عليه ضبط كفاءة عمل أي منشأة، خاصة كانت، أم عامة، لكونها تعتبر أحد أهم ضوابط الحوكمة.

لذلك، فقد حرصت المملكة على تطوير مهنة المحاسبة، من خلال القيام بعدة خطوات على مدار العقود السابقة، منها على سبيل المثال: إنشاء هيئة المحاسبين القانونيين التي تعنى بتطوير المهنة والرقابة عليها، وجعل تخصص المحاسبة في الجامعات من التخصصات المميزة، يحصل كل من يتخصص محاسبة على مكافاة مالية موازية لتخصصات الطب والهندسة، بالإضافة إلى تحول المملكة لتطبيق معايير المحاسبة الدولية. ويدل هذا على مدى الرعاية والاهتمام اللذين تحظى بهما مهنة المحاسبة في المملكة.

وتأتي أهمية القرار الوزاري القاضي بتوطين ما نسبته 30 في المائة من مهن المحاسبة، والتي تتفرع منها نحو 20 مهنة محاسبية، ورغم أن القرار يستهدف نحو 9800 فرصة وظيفية في هذه المرحلة، لكنه يعتبر بداية مبشرة، سيما أنَّ الاستهداف يشمل أبرز المهن المحاسبية، ومنها: مدير الحسابات، مدير إدارة الزكاة والضرائب، مدير إدارة التقارير المالية، مدير الإدارة العامة للمراجعة، مراجع داخلي، محاسب تكاليف، وغيرها من المهن المحاسبية ذات الأهمية.

وأعتقد أن توطين المهن المحاسبية سوف يواجه بعض التحديات عند التطبيق على القطاع الخاص، والتي يمكن التغلب عليها من خلال التكاتف والتعاون بين القطاعين العام والخاص والجهات ذات العلاقة، حيث يتمثل أبرزها في عدم جاهزية عدد كبير من المحاسبين السعوديين، خاصة في مجال التخصصات الضريبية، والتكاليف، ولكن يمكن معالجة ذلك من خلال إعداد وتصميم برامج تأهيلية وتدريبية عملية مكثفة، تُمكّن من رفع مهارات وقدرات خريجي المحاسبة، سواء أكانوا من حملة الشهادات الجامعية، أو الدبلوم حتى تتوافق المخرجات مع متطلبات سوق العمل.

بجانب ذلك، ونظرا لما تشهده جميع القطاعات والتخصصات من الاعتماد على التقنية والعمل عن بعد باستخدام عدة وسائل للتقنية. فلا بد من الحرص على إلحاق المحاسبين الجدد بورش عمل ودورات تدريبية، خاصة تلك التي تعقدها هيئات مهنية وجهات إقليمية ودولية، بغرض التعرف على كل ما يستجد من تقنيات، وممارسات مهنية حديثة في مجال المحاسبة، والتي تتماشى مع التطورات التقنية السريعة التي تحدث في مجال أنظمة المعلومات المحاسبية حول العالم.

هناك مكاسب عديدة سوف يحققها توطين مهن المحاسبة، منها خلق فرص وظيفية جديدة للكوادر الوطنية، ما سوف يساهم في تقليص معدلات البطالة -بإذن الله- بين المهنيين من حملة الشهادات الجامعية والدبلوم، إلى جانب بث الثقة في أبناء وبنات الوطن الذين يحملون طموحات كبيرة لبناء مستقبلهم المهني.

خاصةً وأن هناك نتائج جيدة قد تحققت خلال العام الماضي، حيث انخفض معدل البطالة بين السعوديين بنهاية الربع الثالث من العام الماضي 2020 إلى 14.9 في المائة، مقابل 15.4 في المائة، بنهاية الربع الثاني من العام ذاته، وذلك حسب بيانات الهيئة العامة للإحصاء، وهذا يعكس تعافياً وتطوراً إيجابياً في سوق العمل، يصب خاصةً في مصلحة شبابنا.

وبالرغم من أن القرار قد يبدو صعب التطبيق وقد يؤثر ابتداء في القطاع الخاص، لكنه على المدى الطويل يخدم الجميع بأمر الله تعالى. ولقد أظهر القطاع الخاص تجاوباً كبيراً في إطار تعزيز معدل التوطين خلال الفترة الماضية، ويتضح ذلك من ارتفاع المعدل في منشآت القطاع الخاص خلال الربع الرابع من عام 2020 إلى 21.81 في المائة من إجمالي العاملين في القطاع الخاص، مقارنة بـ20.90 في المائة، من الربع نفسه من عام 2019، وذلك حسب بيانات صندوق تنمية الموارد البشرية «هدف».

من المهم جدا توطين مهنة المحاسبة بشكل صحيح، من خلال وضع آليات كافية لضمان جودة تأهيل المحاسبين حتى يتم تمكينهم بالشكل السليم، ولا يصبح التوطين مجرد نسب ومؤشرات دون وجود جودة في المخرجات ومهنيين ذوي كفاءة عالية. فمن أهم أسباب عدم نجاح خطط التنمية الاقتصادية في الدول النامية بصورة خاصة، عدم توفر معلومات محاسبية ملائمة وفي الوقت المناسب، هذا الأمر يلقي على إدارات المحاسبة في القطاعين العام والخاص مسؤوليات كبيرة متعلقة بضرورة زيادة الاهتمام بتوفير المعلومات والبيانات المحاسبية في الوقت المناسب، لأنها تساعد في اتخاذ وصنع القرارات.

وختاماً نؤكد أن مهنة المحاسبة لها دور قيادي، لأن مسؤولياتها تتخطى المعلومات والبيانات الحسابية، لتصل إلى عبء المشاركة في تمكين صانعي القرار من اتخاذ القرارات الهامة، على اعتبار أن ما يقدمه المحاسب من عمل يمثل الأساس في صنع واتخاذ القرار الذي قد يؤثر سلبا أو إيجابا في أي منشأة، ولذلك لا بد أيضاً من تثقيف أصحاب المنشآت والوحدات الاقتصادية بمدى أهمية تأهيل المحاسبين حتى يتم توطين مهنة المحاسبة بالشكل السليم.