تتوالى أخبار الإنجازات النوعية في بلادنا والحمد لله، وخصوصا ما توالى من أخبار المخترعين السعوديين في مؤشر لزيادة عددهم أولاً وحصولهم على جوائز متقدمة من المؤسسات العلمية المهتمة بهذا الشأن ثانيا، وثالثا كمؤشر لتحسن نوعية البيئة التعليمية والبحثية ورعاية هذا النوع من المواطنين الذين هم من يعول عليهم بعد الله ـ سبحانه وتعالى ـ في دفع عجلة التنمية في كل مناحيها إلى مستويات متقدمة. المخترعون والموهوبون هم الذين يحولون الأوطان إلى أوطان العالم الأول، وابتهجنا وابتهج الوطن هذا الأسبوع بما حملت الأخبار إلينا من نجاح المخترعين السعوديين في تحقيق 9 ميداليات وجائزتين في ختام معرض جنيف العالمي للمخترعين الذي أقيم في سويسرا خلال الأسبوع الماضي، من بين 1000 اختراع وابتكار و750 مخترعا ينتمون إلى 45 دولة. وكانت مشاركات السعودية تتمثل في مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع "موهبة" في الدورة الأربعين من معرض جنيف العالمي للمخترعين بـ 9 مخترعين (8 مخترعين ومخترعة) والذي استمر 5 أيام واستقطب نحو 60 ألف زائر. وحصل المخترع الدكتور عبدالرحمن السلطان من جامعة الملك فيصل عن اختراعه "طريقة للكشف عن المسبب المرضي الأسينيتوباكتر بامانيياي" المقاوم للمضادات الحيوية في حالات مرضى السكري ب، على جائزة المنظمة العالمية للملكية الفكرية لأفضل مخترع، وجائزة الهيئة الرومانية للأبحاث العلمية، والميدالية الذهبية من المعرض وشهادة شكر من لجنة التحكيم، كما حصل الدكتور ذيب عايض فهيد القحطاني من وزارة الداخلية على الميدالية الذهبية عن اختراعه "طريقة الضرب التراكمي في أنظمة التشفير باستخدام المنحنى البيضاوي". وحققت الدكتورة مها محمد عمر خياط من جامعة أم القرى الميدالية الذهبية عن اختراعها "التحكيم المكاني في أسلاك السيلكون النانوية باستخدام تفاعل كيميائي في مدى النانو"، فيما تمكن الدكتور سعد إبراهيم المهيزع من جامعة الملك سعود من تحقيق الميدالية الذهبية عن اختراعه "أداة مطورة لحقن المواد تحت الجلد"، وحصل باسم عبدالهادي علي نواز من أرامكو السعودية على الميدالية الذهبية عن اختراعه "السياج الشبيكي المانع لزحف الرمال"، كما حقق محمد حشان آل مهذل من أرامكو السعودية على الميدالية الذهبية عن اختراعه "استخدام المحسنات الكبريتية لزيادة أداء الطرق الأسفلتية". كما فاز ثامر عبيد العجمي من الجمارك السعودية على الميدالية الفضية عن اختراعه "خيمة بدون أعمدة" وحامد علي القحطاني من جامعة الملك خالد على الميدالية الفضية عن اختراعه "قاتل ذبابة الرمل SFK"، وحمد مبارك الصقيهي من صندوق التنمية الصناعية السعودي على الميدالية الفضية عن اختراعه "تخفيض حرارة محرك السيارة وزيادة برودة المكيف". كما كانت هناك شهادة أخرى لمعرض جنيف العالمي للمخترعين بدورته المقامة في جنيف بسويسرا في أبريل من عام 2011 التي حققت فيه المملكة 11 جائزة كان نصيب جامعة الملك سعود منها 64% والبقية لجامعات المملكة.

هذه الإنجازات النوعية يجب ألا يقف ابتهاجنا عند سماعها والاحتفاء بها. الاحتفاء شيء جميل ومن حقنا وحق الذين حققوا هذه الإنجازات أن نحتفي بهم وأن يحتفي بهم الوطن ويفخر، لكن القصة لا تتوقف هنا، فهذه مرحلة أولية لا تمثل الهدف الأخير من وراء هذه الإنجازات. ولقد سعدنا بتصريح الأمير فيصل بن عبدالله وزير التربية والتعليم وتصريح معالي نائبه الدكتور خالد السبتي اللذين عبرا فيهما عن أن هذه الخطوات ستنقل المجتمع السعودي إلى قمة هرم المجتمعات المعرفية، وتسهم في خدمة المجتمع وتحويل أفكارهم واختراعاتهم إلى منتجات ذات قيمة اقتصادية، وذلك عن طريق استثمار القطاع الخاص هذا الإنجاز وتحويله إلى صناعات وبضائع ومنتجات وطنية تحقق تميزاَ وتفوقا للاقتصاد السعودي. هذا كلام يبهج فهذا هو الهدف الأساس لرعاية الموهبة والموهوبين والاختراع والمخترعين.. والمطلوب هو المضي بالسرعة الممكنة لتحقيق هذا التوجه السليم الذي عبر عنه سمو وزير التربية والتعليم ونائبه.. ونسأل متى وكيف؟ لأن العالم متسارع الخطى، ولا وقت فيه للبيروقراطية المقيتة التي في كثير من الأحيان ما تتسبب في تعطيل أو إلغاء الكثير من الإنجازات التي كان يجب أن تتحقق في زمن محدد. الأخبار حملت إلينا هذين التصريحين المبهجين مع الأخبار المبهجة للاختراعات السعودية لكنها لم تحمل لنا كيف يمكن أن تحول هذه الابتكارات إلى صناعات يحقق فيها وطننا اقتصاد المعرفة الذي يعيشه عالمنا اليوم، والذي تهدف مؤسسات التعليم في العالم الأول إلى تحقيقه. ولم تنقل إلينا الأخبار كيف يمكن مساعدة هؤلاء المخترعين على استثمار جهودهم بتأسيس شركات خاصة بهم تساعد اقتصاد الوطن على توظيف أبنائه وتصدير منتجات تلك الشركات.

عدونا الأول هو الوقت. ونحن لم نر جهةً محددة ترعى هؤلاء الشباب المتفوقين الذين سجلوا براءات اختراع عديدة على مستوى الوطن لتحويل تلك الاختراعات إلى شركات منتجة. نقدر لتلك الجهات التي رعت تلك المواهب حتى أوصلتها إلى هذا المستوى لكن ليس من مهام تلك الجهات إكمال المسيرة. ولهذا قد يكون من المناسب جداً تأسيس هيئة ذات شخصية اعتبارية مستقلة بكوادرها وميزانياتها لتحويل اختراعات مواطنينا إلى شركات منتجة حتى لا ننزلق في نمطية الروتين وسرد مبررات غياب الدعم والتمويل أو أي مبررات أخرى تضع مثل هذه الإنجازات في الانتظار "on hold" ونحن لا نريد ذلك.. نريد هيئة مستقلة تعد خططاً وسياسات تتجاوز الروتين وتتجاوز التبريرات لنرى مصانع قد قامت وشركات أسست لنجني ثمار هذه الاختراعات في وقت قياسي لتتحول هذه الابتكارات إلى صناعات تحول بلادنا إلى دولة متعددة مصادر الدخل غيرالقابلة للنضوب. واقتصاد المعرفة غير قابل للنضوب.

والخطوات المتحققة في وصول موهوبينا إلى هذه النتائج الباهرة هي خطوات على الطريق الصحيح.. وأرى أنه من المناسب تأسيس هيئة للمخترعين تركز في هذه الفترة فقط على مساعدة المخترعين على تأسيس شركات ومصانع ينكعس أثرها إيجابياً على مشكلة البطالة بشكل خاص وعلى اقتصاد الوطن بشكل عام. إنها تحقق لنا اقتصاد المعرفة هذا الهدف الذي أصبح سمة بارزة من سمات عصرنا الحاضر. ومن غير المناسب ألا تعيش بلادنا اقتصاد المعرفة في عصر اقتصاد المعرفة.

وخلاصة القول نحن نسير في الاتجاه الصحيح بوجود هذا الكم من مخترعينا، لكن، حتى لا تضيع مخترعاتهم ويُحبطوا نأمل ونتمنى تأسيس هيئة للمخترعين لتحويل مخترعاتهم إلى شركات توظف المواطنين، وتصدر البضائع، وتحقق بدائل دخل، وتدعم وضعنا الاقتصادي وتضعنا في مصاف العالم الأول.